صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كونا: الخط العربي .. هوية إسلامية وفن ثري يتجدد مع الأجيال

لغة الضاد ليست كغيرها من اللغات الحية والنابضة بالعراقة والأصالة بل هي كذلك هوية أمة على حد وصف الشاعر اللبناني حليم دموس بأبياته الشهيرة “لغـة إذا وقعـت عـلى أسماعنــــا كانت لنا بـــــردا على الأكبــاد، سـتظل رابـــــطـة تؤلـف بيننا فهي الرجــــــاء لناطـق بالضاد”، فكيف الحال إذا سبكت حروفها وأتقنت صنعتها رسما وفنا وتشكيلا حتى بات لها علم وفن تتوارثهما الأجيال جيلا بعد آخر.

ووفقا للنشرة الثقافية لوكالة الانباء الكويتية ضمن الملف الثقافي لاتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، فالحضارة الإسلامية عبر تاريخها الزاخر قدمت إنجازات ثرية في مجالات العلوم والفنون شكلت هوية تميزها عن غيرها من أمم ومما استأثرت به أمتنا الإسلامية لنفسها فن الخط، إذ عمل الفنانون المسلمون طوال قرون على تحويل حروف اللغة العربية من وسيلة حاملة للمعاني إلى فن خصب بصياغتها وتجسيدها وتوظيفها جماليا راح يجاري الشعر والموسيقى في روعته.

وبعد نزول الوحي على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام صار الاهتمام بالقراءة والكتابة شيئا مهما استجابة لقول الله تعالى “اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم” والقسم العظيم بالحرف وأداته إذ قال تعالى “نون والقلم وما يسطرون”، مما أضفى بعدا قدسيا على الحرف وجعل الخطاطين يعكفون على الاهتمام به وإتقانه حتى صار فنا له قواعد وأصول.

والمتأمل في سيرة هذا الفن يجد أنه تطور من الشكل البسيط الذي غلب عليه طابع الجمود إلى أنواع خطوط ذات مميزات جمالية وفنية عديدة نتيجة انتشار الإسلام جغرافيا واستخدام الشعوب للحرف العربي ما شكل حالة إثراء وتمازج ثقافي جوهرها التنوع الثقافي والجغرافي للشعوب التي تداولت الحرف العربي وزيادة توظيف فن الخط لدى الدولة الإسلامية في معظم جوانب الحياة ومظاهرها من عمارة وتدوين وفنون وغيرها.

وفي هذا السياق، قال رئيس مركز الكويت للفنون الإسلامية في مسجد الدولة الكبير المستشار الفني الخطاط فريد العلي لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت إن “الخط” فن منضبط بنسب هندسية بالغة الإحكام لكنه في الوقت نفسه ليس جمادا إنما مفعم بالحيوية والعمق والحركة لصلته بالقرآن الكريم، وليس مستغربا ما قيل في الأثر “الأحرف أمة من الأمم” باعتبارها فنا يستثمر عناصر الجمال في كثير من الفنون الأخرى ليختزلها في لوحة فائقة الروعة ويراعي العمل الفني “الخط” العديد من المفاهيم كالتناغم والتوازن والنور والظل والكتلة والفراغ.

وبين العلي أنه اهتم بدمج الخط العربي مع أعماله التشكيلية وأنه عقب دراسته للهندسة عمل على ثلاثة أمور هي “الفن التشكيلي” و”الهندسة” و”الخط العربي” ليمزج تلك الأضلاع الثلاثة مشكلا مثلثا لتكوين “الخط التشكيلي الهندسي” الذي أصبح يتميز به شخصيا.

وتابع أنه محب لفن الخط العربي ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 50 عاما وما جذبه إليه هو جمال حروفه وتعدد التشكيل فيه، لافتا إلى أنه عمل لوحات بالخط التشكيلي قبل أن يتجه إلى الكتابة والتشكيلات في لفظ الجلالة فشكل في هذا اللفظ 99 تشكيلا بالأبيض والأسود لاقت رواجا وانتشرت في مختلف أنحاء العالم.

وأشار إلى أنه صمم 500 تشكيل في اسم رسولنا العربي الكريم عليه الصلاة والسلام وأصدر كتابا اسمه (محمديات) انتشر حول العالم كما أقام معارض خطية لتلك التصاميم في الكويت.

وأكد حرصه على نشر فن الخط العربي من خلال عمله في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأنشأ مركز الكويت للفنون الإسلامية بالتعاون مع عدد من المؤسسين، وتمكنوا على مدى 15 عاما من إقامة فعاليات عدة للخط تركت أثرا كبيرا في المجتمع منها مسابقات ودورات وملتقيات ومنتديات ومعارض محلية ودولية وإصدار كتب خاصة بالخط العربي.

وذكر أنه تم كذلك استكتاب واستضافة العديد من الخطاطين والمزخرفين ودعم كثير من المراكز خارج الكويت التي تعنى بنشر فن الخط العربي إلى جانب نشر مطبوعات في مختلف دول العالم وفق الخطة المعمول بها لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وقال العلي إنه وظف الخط العربي في رسم جداريات وكتابات في مساجد الكويت، كما وظف الخط في شعارات لوزارة الأشغال العامة وجمعيات تعاونية وتصميم العديد من النصب التذكارية في البلاد منها القبة الإسلامية في قصر بيان ومجسم “الحمد لله” على طريق الدائري السادس إضافة إلى جدارية مبنى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب “لغة الضاد” وأيضا جدارية مركز عبدالرحمن السميط للعلوم الشرعية وهي واجهات بالخط الكوفي المربع.

وقال إن الخط العربي يحظى باهتمام واسع وصل إلى الدول الغربية، إذ نجد العديد من الخطاطين الأجانب يهتمون ويتعلمون الخط العربي بل أصبحوا من رواد الخطاطين عالميا منهم محمد زكريا من الولايات المتحدة الأميركية وفؤاد هوندا من اليابان والحاج نور الدين من الصين ونورية غارسيا من إسبانيا.

وبين أنه في دول شرق آسيا وصل عدد الذين حصلوا على إجازات في الخط أكثر من 200 خطاط وأصبحوا مدربين ومعلمين في الخط العربي هناك.

وذكر أنه انطلاقا من أهمية الخط العربي أقيمت مسابقات دولية منها ملتقى الشارقة الدولي لفن الخط العربي والمهرجان الدولي للخط العربي في الجزائر وملتقى الخط العربي في القاهرة، لافتا إلى دور المغرب وإيران وغيرهما في نشر الخط العربي.

من جهته، قال الاستشاري المعماري وأستاذ العمارة في جامعة الكويت الفنان التشكيلي والخطاط فريد عبدال لـ (كونا) إنه استعمل الحرف العربي “كحرف فكري بعقلية منفتحة تشمل علاقة الحرف بالصوت مثل علاقته باللغة وعلاقته بالتشكيل أشبه بعلاقة القلب بالفن ورغم تمرده يظهر كلية العمل بمزاج محافظ وفكر متناسق متوازن فنهج الفن واحد وإن اختلفت تجلياته”.

وتناول عبدال علاقة الخط العربي بالعمارة ورأى أنهما يلتقيان في استنادهما إلى جمالية هندسية واحدة تدخل في فلسفة الجمال والتناسق، مبينا أن الخط العربي في العصر العباسي استند إلى نظرية النسب الفاضلة وهي نظرية هندسية رياضية معروفة منذ قديم الزمان ظهرت في رسومات الآشوريين والبابليين وانتقلت إلى الفراعنة وهي عبارة عن نسب رياضية من علاقة المخلوقات مع بعضها بعضا ولها علاقة كذلك بالموسيقى وما تزال مستخدمة.

وأشار إلى أن ابن مقلة أدخل نظرية النسب الفاضلة على الخط العربي في العصر العباسي وصارت نمطا لتحسين هذا الخط وربطه بنواميس الطبيعة، مبينا أن النسب الفاضلة تستعمل في العمارة والفنون المرئية بالنمطية نفسها، وهذا عزز الخط العربي في توليد مذاهب خط متنوعة بمرور الزمن واتساع الجغرافيا.

وذكر أن هناك فنانين ومعماريين يصممون منحوتات ويجردون الخط المكتوب والمقروء وفق أساسياته، مبينا أنه وطلبته في الجامعة يستخدمون خلال ورش عمل عناصر بناء من الخط العربي وأنه يحرص على تمرين طلبته على ذلك، وبالفعل تم تصميم مبان وعناصر معمارية مستلهمة من بعض الخطوط العربية.

وأفاد عبدال بأن أي شخص يبدي اهتماما بالخط العربي لابد له أن يتمرن على الكلاسيكيات التي ظهرت في العصر العباسي لكن يجب عليه أن يتجاوزها لاحقا في أعماله ويطور وألا يقع في التكرار كي يصبح ما يعمله فنا لا نقلا.

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب دكتور العمارة محمد الجسار إن الخط العربي والعمارة كلاهما فن لكن الاختلاف هو أن الخط ثنائي الأبعاد فيما العمارة ثلاثية أو متعددة الأبعاد.

ورأى الجسار أن هناك علاقة ما بين النظريات اللغوية والعمارة إذ استعارت العمارة من النظريات اللغوية في عصر الحداثة وما بعد الحداثة وفق منظرين لغويين أجانب.

وتابع “أننا نرى توظيف الحرف العربي واستخدامه كرسوم زخرفية على المباني وبتصاميم فنية مبهرة لكن النظريات اللغوية هي من ترتبط بعمارة المباني”.

من ناحيته، أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المساعد لقطاع الفنون مساعد الزامل اهتمام المجلس بالخط العربي، لافتا إلى وجود مبادرات من مؤسس مجموعة (إرث) للخط العربي علي البداح وهو من الشخصيات الكويتية البارزة التي لها مسيرة طويلة في مجال الخط العربي وكيفية استخدامه في قواعد الفنون التشكيلية وهناك أيضا نخبة من الفنانين والخطاطين المهتمين بالخط العربي.

وقال الزامل إن المجلس الوطني للثقافة نظم معارض وورشات ودورات متخصصة بالخط العربي منها معرض (أسماء الله الحسنى) الذي أقيم في شهر آذار الماضي

واستخدم المشاركون فيه الخطوط الإسلامية والعربية في عمل تشكيلات فنية وخطوط ممزوجة مع الفن التشكيلي.

وأشار إلى اهتمام المجلس بالخط العربي وبكل صاحب حرفة عالية في هذا الفن والتشكيل والتكوين للخط العربي واستخدامه بشكل فني إبداعي متفرد.

بدورها، قالت مسؤولة المرسم الحر سارة خلف إنه بالنسبة لجماليات الخط العربي في الفن التشكيلي يستخدم الفنان الحروف ويدخلها ضمن التشكيل الفني للوحات.

وأضافت خلف أنه إيمانا بأهمية الخط العربي كان للمرسم الحر دور في عمل ورشات فنية للخط العربي ضمن الفن التشكيلي ومعارض تشكيلية ومشاركات ذات صلة

وسط دعم من المؤسسات الرسمية والأهلية لفن الخط العربي في كل مجالاته.

من جهته، قال ‏معلم اللغة العربية في وزارة التربية محمد السداني إن الخط العربي يتميز عن غيره من اللغات باعتباره فنا إبداعيا لا نجد مثل جماليته وخصوصيته، لاسيما في الرسومات والتصميم وصياغة المعادن.

وأضاف السداني أنه “عندما طغت اللغة الإنجليزية ظهرت نهضة واضحة لتعزيز الهوية العربية من خلال الاهتمام بكل ما هو عربي أو مرتبط بلغة الضاد ومن هذه العناصر الخط”.

وذكر أن الخط العربي جزء أساسي من تراثنا وبالعودة إلى الآثار الإسلامية والعصور القديمة وفي المساجد نجد أن الخط العربي جزء مهم من الهوية ومن طبيعة العمارة الإسلامية وكذلك في تمازجه مع الفنون الأخرى.

التعليقات مغلقة.