صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أيها الإسرائيليون: استيقظوا.. هذه هي حقائقكم المرة!

ان الحالة التي تعاني منها دولة الاحتلال الاسرائيلي، هو التعصب الأعمى للايدولوجية الصهيونية، والذي يؤدي إلى عمى آخر- وهو التفوق العرقي، تجاه الشعب الرازح تحت الاحتلال، وما يرافق ذلك من ممارسات عنصرية يومية، كان كافيا وكفيلا باحداث التغيير. وهذا الشعور المرضي يقود، لا محالة، إلى التطهير العرقي.

والعدوان الغاشم على غزة، يظهر ذلك جليا، من خلال ما نشاهده من ممارسات الإبادة الجماعية، باستخدام أكثر الوسائل التي شهدها التاريخ بشاعة، كالمجازر الجماعية، والتجويع الممنهج، ونشر الأمراض والاوبئة.

كما أن سيرورة الصراع التي امتدت على مدار ثمانية عقود، منذ بدايات تنفيذ المخطط الصهيوني الاستعماري–الاحلالي، حتى الآن، تثبت ان كل ما جرى من تغييرات وفرض واقع يخدم هذه الاهداف، كالتهجير القسري (النكبة الأولى عام ١٩٤٨)، والنزوح في النكبة الثانية (عام ١٩٦٧)، مرورا بالمشروع الاستيطاني في كافة مناطق الضفة الغربية والقدس (بلغ عدد المستوطنين ٧٥٠ الف مستوطن).. وما رافق هذه الحقبة من حروب، استطاعت إسرائيل النجاح من خلال التفوق العسكري، والقدرة على حسم الحروب لصالحها.

لكن الانعطافة النوعية في نظرية التفوق المطلق والحسم العسكريين، قد بدأت في معركة الكرامة الخالدة (عام ١٩٦٨)، عندما فشلت إسرائيل في الحسم، لأول مرة، ومعها اهتزت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لتستمر هذه التحولات في نسف نظرية التفوق والقوة المهيمنة في كامل المنطقة، والمبنية على عقيدة المواجهة والانتصار على الجيوش العربية مجتمعة، ويدها الطولى في المنطقة والعالم. وما حدث في حروب الاستنزاف، التي سبقت حرب اوكتوبر (عام ١٩٧٣)، وبعدها، في حروب إسرائيل في جنوب لبنان، وظهور عناصر مقاومة جديدة في غزة والضفة الغربية ولبنان، وغيرها، هشمت نظرية التفوق المطلق التي قام عليها الكيان الاسرائيلي. وما أحداث السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاها من مواجهات (لا تزال قائمة) في غزة والضفة وجنوب لبنان، وغيرها من المناطق، إلا دليل ساطع على ما نزعم. أي أن نظرية الهيمنة الاسرائيلية المطلقة على المنطقة قد سقطت، على الرغم من الظروف العربية والإسلامية والدولية، التي لم تكن لصالح الجانب الفلسطيني وحلفائه. إلا أن المتوفر من عناصر الصراع كان كفيلا باحداث التغيير في موازين القوى، وحصول انقلاب في وضع المنطقة الجيو-استراتيجي. وفي هذا السياق يمكن طرح الملاحظات التالية:

أولاً–فلسطينياً: لقد فشلت إسرائيل في حسم الصراع مع الفلسطينيين، بالرغم من كل ما قامت به خلال العقود السبعة الماضية، في إطار مشروعها الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، بالتهجير القسري والطوعي، ومصادرة الاراضي، ونشر المستعمرات على امتداد الأرض الفلسطينية، للوصول، في المحصلة، إلى الدولة اليهودية النقية، الخالية من الوجود العربي الفلسطيني. فملايين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم في النكبتين الأولى والثانية، ظلوا متمسكين بحقوقهم التاريخية، ولم يساوموا عليها، ولم ينسوها، بل واورثوا ذاكرتهم وحقوقهم لابنائهم واحفادهم، الذين لا يزال كثيرون منهم يحتفظون بمفاتيح بيوت «وكواشين اراضي» آبائهم واجدادهم، ويحلمون بالعودة إلى فلسطينهم في يوم ما. اي أن غولدا مائير قد أخطأت التقدير عندما اعتقدت «أن الكبار سيموتون، والاحفاد سينسون». فعلى الإسرائيلي أن يقتنع بالحقيقة المرة، وهي أن الفلسطيني لن ينسى وطنه وحقوقه التاريخية، طال الزمن أم قصر.

واذا لم يحصل هذا الجيل على حقه، فسيضطر احفادكم-ايها الاسرائيليون–إلى مواجهات، أكثر شراسة وعنفا مع أجيال الفلسطينيين القادمة، الذين شاهدوا دماء واشلاء اخوتهم وامهاتهم، واذلال آبائهم وشيوخهم.

ثانياً–عربياً: أن سياسة الحركة الصهيونية، منذ انشائها، وبعد قيام الكيان الاسرائيلي، تجاه العالم العربي (وحتى الإسلامي)، تأسست على قاعدة افشال مشروع الثورة العربية، والتآمر لمنع قيام المملكة العربية بقيادة الشريف الحسين بن علي وأبنائه، ومعه احرار العرب، وبعدها، العمل لاجهاض أي تكتل او تنسيق او تكامل جدي بين دولتين عربيتين، أو أكثر. وهذا ما حدث لمشروع الوحدة بين مصر وسوريا، وكذا الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق، إضافة إلى العمل من أجل حرمان الدول العربية والإسلامية من امتلاك السلاح النووي، أو حتى التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، والتفرد بامتلاكها للردع على مستوى المنطقة العربية والاقليم. مع التركيز في كل ذلك على دول المواجهة المحيطة (مصر، الأردن، سوريا، العراق، السعودية، ولبنان). بل وأكثر من ذلك، فقد تفتقت » القريحة الاسرائيلية» عن مشاريع «جهنمية » تتمثل في تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع الفلسطيني العربي -الصهيوني، من خلال، ما سمي «بالسلام الاقتصادي»، الذي يعني،عمليا، القفز عن القضية الفلسطينية وتجاوزها، وعزلها بالتطبيع المجاني مع العالم العربي والإسلامي، (قبل حل القضية)، وبالتالي، عزل الفلسطينيين، واخضاعهم للاملاات الاسرائيلية، وارغامهم(حسب سموتريتش- احد اقطاب الثالوث الحاكم في إسرائيل): اما الهجرة، أو البقاء عبيدا بلا حقوق، أو القتل!. واذا أضفنا الى كل ذلك، انتهاكات المستوطنين لباحات الحرم القدسي الشريف، والمحاولات المحمومة لتكريس التقسيم الزماني والمكاني، تمهيدا لهدم الاقصى، واقامة هيكلهم المزعوم.. نقول: هذه تماما كانت صورة المشهد الذي سبق أحداث السابع من أكتوبر.

ثالثاً -دولياً: يمكن القول بان الحقبة الذهبية بالنسبة لإسرائيل، هي تلك التي اعقبت انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، بعد الانهيار المدوي للاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينات، ودخول العالم في مرحلة جديدة من سيطرة القطب الأميركي الواحد. حيث شهد هذا العقد هجرة مليون من يهود المعسكر الشرقي، معظمهم من الكفاات العلمية والتقنية، مما شكل مصدر قوة بشرية نوعية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

في المقابل، شهدت المنطقة أحداثا وتطورات غير مسبوقة، قلبت الأوضاع راسا على عقب، من حروب الخليج، إلى محادثات ومعاهدات السلام، وما تلاها من مفاوضات عدمية، بهدف الوصول إلى، ما سمي، بترتيبات الحل النهائي، والتي لم تكن سوى «ملهاة» ومضيعة للوقت، لتكريس مخطط المشروع الاستيطاني–الاحلالي على مساحة الدولة الفلسطينية الموعودة، ولخلق واقع جديد يصبح فيه إقامة دولة فلسطينية مترابطة وقابلة للحياة، ضربا من الخيال.

ولكن، ومع كل ذلك، بقي الفلسطيني صامدا على أرضه، رغم ممارسات الاحتلال في القمع والاذلال، والقتل، والسجن والتنكيل، وتقييد الحركة بالحواجز والحصار، ومنع كل ما يمكن ان يساعد على قيام دولة مستقلة، قابلة للحياة، والتي يتبارى اليمين الصهيوني القومي الديني الفاشي، في رفضها، مهما كانت النتائج.

وهنا، يمكن القول، إن ديناميكيات موازين القوى الدولية تتحرك نحو أعتاب نظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب، والذي نشهد إرهاصاته في الحرب الروسية -الاوكرانية، والمنافسة الصينية- الأميركية، والاستقطابات الدولية، ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مما سيؤدي، لا محالة، إلى حدوث اختلالات في موازين القوى وتغيرات جيواستراتيجية دولية واقليمية، والتي لن تكون مضمونة لصالح دولة الاحتلال، وفق، ما يمكن ان تتمخض عنه الاصطفافات القادمة. اي أننا نعيش في عالم متغير، تتحكم في سياسات اقطابه مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

وأخيرا، نقول للإسرائيليين: أن رهانكم على القوة والهيمنة المطلقة في المنطقة قد فشل،كما أن قدراتكم على نشر سرديتكم المضللة في العالم،قد تآكلت بعد عدوانكم البشع على غزة، وتحويل جرائمكم، كقتلة، إلى محكمة العدل الدولية، وانقلاب مزاج الرأي العام العالمي ضدكم. لقد تغير العالم خلال أشهر عدوانكم الخمسة، (فالبقاء على نفس الحال من المحال)، وما يجرى من تغيرات دولية سينعكس، حتما، على أوضاع المنطقة والاقليم. أما الفلسطيني، فلن يقبل بديلا عن فلسطينه، إلا الجنة.

واحداث السبعين عاما ونيف الماضية، من عمر الصراع بيننا وبينكم، وآخرها السابع من اوكتوبر الماضي، ومهما كانت نتيجة تداعياتها، يجب أن تتحول إلى دافع ومحرك لكم لمراجعة ايدولوجيتكم الصهيونية العنصرية، التي تتحكم باذهانكم ووعيكم، وأن تتخلصوا من عقلية «القلعة»، وأن تجدوا الحلول لحالة إدمانكم على احتلال شعب آخر. فهذا الآخر ليس قاتلا أو «حيوانا بشريا» (كما يصفه قادتكم)، بل إنسان طيب، يسعى للعيش بحرية وكرامة، على أرض وطنه، أسوة بكل شعوب العالم. وما يقوم به من مقاومة لاحتلالكم، هو حقه الشرعي الذي كفلته كل كل القوانين والشرعة الدولية. وننصحكم بالاصغاء إلى صوت الحكمة والعقل والاعتدال، الذي لطالما ناشدكم به قائد بلادنا الملك عبد الله الثاني، في كل المحافل والمناسبات، وآخرها في الامم المتحدة، في الشهر الذي سبق أحداث اوكتوبر.. بل، وإلى صوت العقلاء من أبناء جلدتكم، من المفكرين والمؤرخين اليهود، في إسرائيل والعالم، الذين وصلوا بفكرهم العقلاني المستنير إلى الحقيقة التي يجب أن تسود اخيرا، أمثال: آفي شلايم؛ وايلان بابيه؛ وبيني موريس؛ وتوم سيغف؛ وجدعون ليفي؛ وغابور ماتيه؛ ونعوم تشومسكي؛ ونورمان فنكلشتاين، وغيرهم. فانتم،وحسب مؤرخكم غابور ماتيه، تعيشون «حالة انكار جماعي»، للوقائع التاريخية، وما تسببتم به من مجازر وظلم للفلسطينيين. ولربما يستحق اهتمامكم، ما يقوله جدعون ليفي من «أن إسرائيل دولة مدمنة على الاحتلال، وأن الأمل في تغيير من داخل المجتمع الاسرائيلي محدود جدا..»، أي أنكم بحاجة إلى من ينقذكم من أنفسكم..ربما؟!.

لكن الثابت، في كل الأحوال، أنكم لن تستطيعوا كسر إرادة المقاومة لدى الفلسطيني والعربي، وقد يضاف لهما المسلم، اذا ما استمرت محاولاتكم في تحويل الصراع الى ابعاده الدينية، بالغة الخطورة عليكم وعلى المنطقة باسرها. فهل انتم قادرون على استغلال الفرصة، والانتصار على ذاتكم، التي لا تزال تؤمن بديانتين: «الصهيونية» «وتأمين الامن» -حسب جدعون ليفي إياه؟!

فالصهيونية عفى عليها الزمن، أما الأمن فلن يتحقق، ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة كاملة السيادة، وفق قرارات الشرعية الدولية.

التعليقات مغلقة.