الحسين .. وبناء “الثقة بالمستقبل”
*المحامي لؤي محمد ناجي عمايرة*
قدمت مقابلة سمو الامير الحسين ولي العهد على شاشة قناة العربية أمس اشتباكاً عميقاً وشفافاً مع الملفات الأبرز أردنياً وأقليمياً، سموه وهو يقدم رؤيته وآراءه ومقولاته، وبفهم دقيق لدوره السياسي ومساحته الدستورية، كان يرسم ملامح المستقبل ويؤطر الطموحات الوطنية بتفاؤل وثقة وايجابية. ما قاله ولي العهد في مقابلته كان أكثر دسماً من “تشكيل انطباع” و”بناء صورة” في إطلالة حوارية موسعة وأولى.
تطرق سمو الامير في حديثه إلى ملفات كثيرة وتناول بتكثيف ذكي وصياغات لافتة مواضيع حساسة وتفاصيل شائكة في “الأمس” الأردني واليوم والغد، ضمن ثلاثة محاور أساسية يمكن تلمسها على امتداد زمن الحوار: “نهج الحكم الهاشمي وقيم الدولة الأردنية” و”الاولويات والرهانات والتحديات” و”تفاعلات المشهد السياسي الاقليمي”.
مضامين الحوار ورسائله وصلت للجميع، وفي مقدمة العناوين كان “الاردنيون”. فالامير يرفد منسوب الثقة والأمل في البلاد إذ يتحدث بوضوح ولا يترك، متناً أو هامشاً، الا ويؤكد في الحوار على قيم الدولة الاردنية الراسخة: مشروعاً عروبياً ودولة مؤسسات وقانون، وعلى نهج الحكم الهاشمي الراشد: إتزاناً وسماحةً وصوت حكمة وتعقل واعتدال ووسطية، وعلى معايير التقييم والمراجعة: الانجاز والعمل والقدرة والصدق والموضوعية والمكاشفة والانتماء. وكرس سموه في مقارباته العقلانية على الاسئلة “المثيرة للجدل” فهماً “واسع القبول” حول مفاهيم “الهوية” و”المعارضة” وعلاقة المؤسسات والشارع.
في الشأن الداخلي أيضاً ركز على “أولوية الاقتصاد” في رؤيته واستشرافه لحلول المعضلات ورهاناته المستقبلية، واللافت الابرز في هذا السياق توظيف سموه لمفهوم “الاكتفاء الذاتي” كهدف من أهداف رؤيته مكرساً “الاعتماد على النفس” أداة لتحقيق “أردن أقوى”. وتطلعاته إلى دور التعليم المهني والتقني والسياحة والريادة الاردنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والصناعة في المساهمة الفاعلة في بناء آفاق أرحب لفرص العمل وخفض معدلات البطالة. وفي رهان سموه على الشباب طرح ما يمكن تسميته معززات دورهم وتأهليه للقادم: وطنياً وسياسياً واقتصادياً، فتحدث عن “خدمة العلم” لتعزيز الانضباط والارتباط بالارض، وأشار إلى أهمية التمكين الاقتصادي للشباب عتبة أساسية ورافعة ضرورية لممارسة دور فعال سياسياً.
التناول السياسي لتفاعلات المشهد الاقليمي كان لافتا وحازماً، فقد أبرق سموه إقليمياً رسائل سياسية دقيقة في عدة اتجاهات، فأمن واستقرار وسيادة البلاد أولوية وواجب لا تهاون فيه ولا تقاعس، مشدداً أن العلاقات البينية الصحية، كثابت من ثوابت السياسة الاردنية، تقوم على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الاخر. مؤكداً إيمانه بالتكامل العربي المبني على التعاون والاهداف المشتركة. وبوضوح كبير وسقف حاسم تحدث عن العدوان الاسرائيلي على غزة وما يرتكب هناك من جرائم وفضائع، مشدداً أن القضية الفلسطينية قضيتنا، مؤكدا أن الاردن يخوض معركة سياسية منذ بدء العدوان على غزة ويستهدف تغيير مواقف الدول حيال “اسرائيل”، ورغم الكلف السياسية والاقتصادية التي يدفعها الاردن سيستمر في القيام بدوره تجاه الشعب الفلسطيني. وأشار أن تلبية حقوق الشعب الفلسطيني هي البوابة الحقيقة لتؤمن الشعوب بالسلام. متسائلا إن كانت “اسرائيل” تريد سلاماً!
أطلق سمو الامير آراءه ورؤاه في فضاء النقاش العام على ما فيها من عمق وتكثيف واستشراف للمستقبل بما يحتاج أن يلتقطها المجتمع والنخب السياسية والاقتصادية وعموم الشباب، والعمل على بلورة برامجية ومبادرات لهذه الافكار. لغة سموه وهو يناقش التحديات والمعضلات ويدعو ان “نكون جاهزين لكل السيناريوهات”، كانت لغة مشبعة بالطموح والثقة والامل والتفاؤل بالاضافة إلى كونها لغة عقلانية وواقعية معززة بالمعلومات والارقام وسعة الاطلاع وعمق المتابعة. الجملة الذهبية في المقابلة، والمقابلة زاخرة بالمقولات ذات الدلالات، “شعبنا واعٍ، ومؤسساتنا قوية.. ولدينا قيادة تفكر لبعيد” وهذه هي معادلة منعة الدولة الاردنية. وللحديث بقية.
التعليقات مغلقة.