صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إستراتيجية لمعالجة الاختلالات

الحل يكمن في التوجه نحو الإنفاق الرأسمالي من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما يخفف الأعباء عن المالية العامة دون التنازل عن جودة التنفيذ.

معالجة الاختلالات المالية في الأردن تتطلب إستراتيجية متكاملة تبدأ بإعداد موازنة شفافة تعكس الأرقام الحقيقية لعجز الموازنة والمديونية، وتخصيص الأموال اللازمة للإنفاق بدقة تلتزم بها جميع المؤسسات تحت طائلة المسؤولية، في حين يجب حصر الإنفاق الرأسمالي على المشاريع ذات الأولوية كالنقل العام، ومشاريع الصيانة، والمشاريع قيد التنفيذ، ووقف الإنفاق على المشاريع التي تجاوزت الاحتياجات الفعلية.

الحل يكمن في التوجه نحو الإنفاق الرأسمالي من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما يخفف الأعباء عن المالية العامة دون التنازل عن جودة التنفيذ.

من الاختلالات الأساسية التي تواجه المالية العامة الإعفاءات الطبية، التي وصلت إلى أكثر من 350 مليون دينار سنوياً، خاصة ان استمرار تقديم هذه الإعفاءات بشكل عشوائي أدى إلى استنزاف موارد كبيرة دون تحقيق عدالة اجتماعية أو كفاءة مالية، والحل يتمثل في تنظيم الإعفاءات وربطها بمعايير محددة لضمان وصولها لمستحقيها الحقيقيين. أما دعم السلع الأساسية، فإنه يشكل عبئاً كبيراً على الخزينة، حيث بلغ دعم شركة الكهرباء الوطنية 500 مليون دينار، ودعم قطاع المياه 200 مليون دينار، وأسطوانة الغاز 100 مليون دينار، والقمح والأعلاف 180 مليون دينار، فهذه الأرقام تعكس الحاجة الملحة لإعادة النظر في سياسات الدعم الحالية، والحل يتمثل في توجيه الدعم بشكل أكثر استهدافاً للفئات المحتاجة بدلاً من استمراره بالشكل الحالي الذي يرهق المالية العامة دون تحقيق عدالة أو كفاءة. إحدى المشكلات الأساسية أيضاً هي هيكلة العبء الضريبي، فالنظام الحالي يعتمد بشكل كبير على الضرائب، وهو ما يثقل كاهل المواطنين الأقل دخلاً، ويزيد من حالة الاستياء العام، والحل يكمن في الانتقال تدريجياً نحو الضرائب المباشرة التي تعتمد على قدرة المكلف المالية، وهو ما ينسجم مع العدالة الضريبية. ورغم أن إعادة هيكلة العبء الضريبي تحتاج إلى وقت طويل، فإن البدء بخطوات صغيرة على هذا الطريق سيكون له تأثير إيجابي على المدى البعيد. المشكلة المالية الأكبر تكمن في عجز الموازنة الناتج عن زيادة النفقات على الإيرادات، ما يدفع الحكومة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية هذا العجز، مما يرفع من مستويات المديونية العامة، إذ إن جزءاً كبير من هذا الاقتراض يوجه لتغطية النفقات الجارية، كالرواتب وخدمة الدين والتقاعد، وهو ما يحد من قدرة الحكومة على الإنفاق الرأسمالي الذي يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي، والحل يبدأ بإعادة ضبط النفقات الجارية ضمن حدود معقولة، مع التركيز على توجيه الإنفاق نحو المشاريع الإنتاجية التي تسهم في رفع نسب النمو في الناتج المحلي الإجمالي. انخفاض نسب النمو الاقتصادي يمثل تحدياً إضافياً، حيث يؤثر على قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الأيدي العاملة، إذ إن المشكلة تتفاقم مع دخول أعداد جديدة من القوى العاملة إلى السوق سنوياً، والحل يكمن في تحفيز النمو من خلال استثمارات مدروسة في البنية التحتية والمشاريع الإنتاجية، بما يساهم في تحسين معدلات النمو، ويزيد من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية. وأخيراً، من أسباب تفاقم الأزمات المالية في الأردن هو تأخر اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، والحل يتطلب مرونة أكبر في استخدام أدوات السياسة المالية، مع الالتزام بإعداد موازنة دقيقة وشفافة تعكس الالتزامات الحقيقية للدولة، وتضع حداً للاختلالات المزمنة التي تعيق الإصلاح المالي.

التعليقات مغلقة.