حماية المال العام
الواقع أن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، بقيادة مهند حجازي، استطاعت أن تحوّل ملف حماية المال العام من ملف تقليدي موسمي إلى محور يومي من محاور إدارة الدولة، ففي عام 2024، تراجع عدد ملفات الفساد بنسبة 45 % مقارنة بالعام الذي سبقه.
تراجع عدد قضايا الفساد بنسبة 45 % خلال عام واحد يشير إلى تغيير عميق في أسلوب العمل داخل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، فهذا الانخفاض ليس نتيجة ظرف مؤقت، بل حصيلة لنهج وقائي مدروس يركز على تجفيف منابع الفساد لا ملاحقته بعد وقوعه.
وهذا التراجع يؤكد أن الهيئة باتت تبادر، لا تنتظر؛ تراقب قبل أن تُبلّغ، وتصلح قبل أن تُدين، وهو ما يؤكد أن حماية المال العام تحولت إلى أولوية مؤسسية مدعومة بإرادة واضحة وإدارة تدرك أن الوقاية تبدأ من السياسات والأنظمة، لا من التحقيقات فقط.
وهنا يتبادر إلى ذهني مجموعة من الأسئلة حول ما سبب نجاح الهيئة في تقليص ملفات الفساد إلى النصف خلال عام واحد؟ وكيف يمكن لمنظومة رقابية أن تتحول من جهة إنفاذ إلى منصة إصلاح؟ ولماذا أصبح اسم هيئة النزاهة ومكافحة الفساد مقترنًا فعليًا اليوم بنتائج ملموسة لا بمجرد الشعارات؟
الواقع أن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، بقيادة مهند حجازي، استطاعت أن تحوّل ملف حماية المال العام من ملف تقليدي موسمي إلى محور يومي من محاور إدارة الدولة، ففي عام 2024، تراجع عدد ملفات الفساد بنسبة 45 % مقارنة بالعام الذي سبقه.
وهذا الرقم ليس تفصيلاً إحصائيًا، بل يعكس تحوّلًا منهجيًا في ثقافة الإدارة العامة وفي أدوات الهيئة التي تجاوزت مجرد الرقابة، إلى الوقاية، والاستباق، والتأثير البنيوي في المؤسسات.
فما سر هذا التحول؟ يكمن الجواب في وضوح الرؤية، إذ إن حجازي، منذ توليه رئاسة الهيئة، لم يتعامل مع الفساد كمجرد ظاهرة طارئة، بل إلى ملف يحتاج إلى إدارة دقيقة ومستمرة، لذلك، جاء العمل على تطوير الأدوات، وعلى رأسها استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة الرقمية، وإطلاق برنامج التحول الرقمي الكامل داخل الهيئة، واستحداث مديريات متخصصة تعكس حجم التحديات التي تواجهها الهيئة في العصر الرقمي.
في نفس الوقت، لم تغفل الهيئة الجانب الإنساني والتوعوي، إذ أطلقت مبادرات تستهدف طلاب الجامعات بهدف تعزيز قيم النزاهة من الجذر، فهذه الرؤية الشاملة – التي تدمج ما هو تقني بما هو مجتمعي- تفسر النجاح المتصاعد الذي تحقق.
ومع استرداد أو منع هدر أكثر من 141 مليون دينار، يصبح السؤال المطروح ليس فقط: كيف نجحت الهيئة؟ بل أيضًا: إلى أين يمكن أن تصل إذا استمر هذا النهج؟ وهل يمكن اعتبار الهيئة اليوم نموذجًا مؤسسيًا يُحتذى به في باقي قطاعات الدولة؟
جلالة الملك عبدالله الثاني وضع هذا الملف في صدارة أولوياته، ليس فقط عبر الدعم السياسي العلني، بل عبر المتابعة الحثيثة لنتائج الهيئة وتأكيده المتواصل على ضرورة تعزيز إمكانياتها وتنسيقها مع بقية مؤسسات الدولة، فهذه الإرادة السياسية الواضحة أعطت الهيئة غطاءً عمليًا أوسع للتحرك، وضمانًا بأن أي خطوة إصلاحية لن تكون معزولة عن سياق سياسي داعم.
ومع إطلاق الدورة الثانية من مؤشر النزاهة الوطني، يبقى السؤال الكبير المطروح على الجميع: كيف نحافظ على هذا الزخم؟ وكيف نُفعّل دور المواطن في حماية المال العام؟
ما تحقق حتى الآن يؤكد أن حماية المال العام لم تعد مجرد شعار، بل مسار مستدام تشرف عليه قيادة واعية، وإرادة سياسية واضحة، ومؤسسة متطورة، وشراكة مجتمعية في طور التوسع.
التعليقات مغلقة.