صحيفة الكترونية اردنية شاملة

شحنة القمح البولندية وصراع المؤسسات يا دولة الرئيس..!

0

قصة القمح الملوث ليست جديدة علينا في هذا البلد ، فقد عشناها منذ نهاية عقد التسعينات الماضي، عندما عانينا أيضا من شحنة القمح المفأرن ولازال الوضع يتكرر حتى الآن، وكأنه كتب علينا أن لا نأكل إلا خبز قمح كامل الدسم معجونا بمسحوق الحشرات والأصباغ .

وقصة مماثلة تطفو الآن على السطح ، إذ نشرت صحيفة الغد الأردنية يوم الأربعاء الموافق 24 / 6 / 2015 تصريحا لمدير مؤسسة الغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات ، تبين بأن شحنة القمح البولندية وقوامها 52 ألف طن ويبلغ ثمنها أكثر من 15 مليون دولار ، ما تزال في صوامع العقبة منذ خمسة أشهر ، بسبب رفضها من قبل مؤسسة الغذاء والدواء ، نظرا لعدم مطابقتها للقاعدة الفنية الأردنية التي وضعتها مؤسسة المواصفات والمقاييس .

وزيرة الصناعة والتجارة معالي السيدة مها العلي ومدير شركة صوامع الحبوب حسوني محيلان يدعيان بأن عملية إعادة التصدير غير ممكنة لأسباب فنية ، ويؤكد محيلان بأنها تحتاج إلى شراء آليات تزيد قيمتها على مليون دينار ، خاصة وأنه لم يجر في تاريخ الصوامع أن تم إعادة تصدير شحنة قمح سابقة .

ومن جانبه أكد الدكتور عبيدات أن ليس هناك ما يحول فنيا دون إعادة تصدير الشحنة . وأيده في ذلك نقيب أصحاب الشاحنات محمد خير داوود ، في أنه يمكن إعادة تصدير الشحنة فنيا وعمليا خلال فترة لا تزيد عن عشرة أيام . كما أبدى استعداد النقابة لتحميل ونقل الشحنة من الصوامع إلى الميناء ببساطة خلال الفترة المحددة . وقد بين في حديثه أن الحكومة دفعت حتى اليوم 250 ألف دينار بدل أرضيات لتلك الشحنة القابعة في الصوامع ، علما بأن التكلفة اليومية لتخزين هذه الشحنة تبلغ 1662 دينار تدفعها الدولة .

يظهر أن هناك محاولات لترويض رؤساء المؤسستين لقبول الشحنة وإطعام المواطنين خبز قمح غير صالح للاستهلاك البشري ، أو إدخالها تحت ستار الاستهلاك الحيواني ، وبعدها قد تجد طريقها إلى الأفواه الآدمية . ولكن رئيس مؤسسة الغذاء والدواء يقف لهم بالمرصاد ، ويصر مشكورا على رفض الشحنة الموبوءة .

وهنا فإنني أطرح الأسئلة التالية لعل أحد المسؤولين يجيبني عليها : 1. لماذا تقف حكومتنا ( الطاهرة ) موقف المتفرج في هذا الصراع الدائر بين المؤسسات الرسمية ، وتدفع من خزينة الدولة مئات آلاف الدنانير بدل تخزين لا طائل منه ؟ 2. هل الحكومة نادمة على إنشاء هاتين المؤسستين ؟ أم أنها نادمة على تعيين هذين الرجلين النزيهين على رأس تلك المؤسستين الوطنيتين ؟ 3. لماذا جرى تفريغ شحنة القمح في الصوامع قبل أن يجري فحصها مخبريا والتأكد من صلاحيتها ؟ 4. عندما يصرح السيد محيلان بأن إعادة تصدير الشحنة يحتاج إلى آليات بكلفة تزيد عن مليون دولار ، لماذا لم يأخذ هذا العامل بالحسبان قبل أن يفرغ الشحنة في الصوامع ؟ 5. هل كان السيد محيلان يفترض في حدسه الشخصي بأن الشحنة مقبولة ، وأن المواطنين سيأكلون خبزها مهما كانت نتائج فحصها المخبري ؟ 6. ألا يعرف التاجر المورد للقمح ماهية المواصفات الأردنية لقبول شحنة القمح ، أم أنه اعتمد عل فهلوته وأساليبه الملتوية لتمرير شحنته ؟

والسؤال الكبير الذي أوجهه إلى نواب وأعيان الشعب : ما هو دوركم كمؤسسات رقابية إزاء هذه المهزلة التي تجري على شاطئ العقبة ، في محاولة لإطعام الشعب خبزا ملوثا أمام أعينكم ؟ وكذلك ما هو دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المحلي والهيئات الشعبية تجاه ما يجري على ساحة العقبة ؟

دولة الرئيس ،

رغيف الخبز هو الغذاء المقدس للفقراء كما تعلم . . ولا يجوز المساس به أو أن يطاله الغش أو الفساد . فسنبلة القمح في تقاليدنا الشعبية هي رمز الخير والبركة . ولكن حيتان التجارة حولوا حبوبها إلى سموم تضر بصحة المواطنين ، وتدفعنا إلى وضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الشحنة البولندية ، والتي أصبحت رائحتها تزكم الأنوف . واسمح لي أن أذكر دولتكم بهذه المناسبة ، بما فعله الملك سلمان بن عبد العزيز ملك السعودية قبل بضعة أشهر ، عندما أطاح بوزير الصحة الذي رفض نقل مريض من مستشفى إلى آخر . كما أقال أحد الأمراء الذي أساء التصرف مع صحفي في مناسبة رسمية . فلماذا لا نحاسب نحن من يتلاعب بغذاء المواطن الذي نعتبره خطا أحمر ، في الوقت الذي نطالبه برفع رأسه لأنه أردني ؟

ختاما أرجو أن أوجه تحية تقدير وإجلال نيابة عن كل الشرفاء في هذا الوطن ، لكل من الدكتور حيدر الزبن والدكتور هايل عبيدات ، لمواقفهم المشرّفة في الحفاظ على صحة أبناء الوطن ومصالحهم المعيشية ، رغم كل الضغوطات والمغريات التي يتعرضان لها . هؤلاء الرجال هم أبناء الوطن الشرفاء الذين يستحقون أوسمة التقدير في عيد الاستقلال وفي كل مناسبة وطنية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.