صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كنافة حبيبة : توأم المنسف وعنوان الوحدة

0

صغارا كُنا , ونحن نراقب صانع الكنافة بطاقيته البيضاء بانتظار نصف الوقية , بعد فيلمين بتذكرة واحدة في سينما فلسطين , وطقس الكنافة لنا ابناء الفقراء كان مربوطا بالوصول الى “ وسط البلد “ في الاعياد فقط , فتجميع مبلغ يكفي للمواصلات ودخول السينما واكل الكنافة من حبيبة وسندويشة الشاورما من مطعم السرور , تحتاج الى دراسة جدوى لمشروع استثماري قائم على حضور الاعمام والاخوال للمعايدة وتلقف القروش وتجميعها للحشد والاعداد لغزوة وسط البلد التي ما تنتهي عادة بالعودة على القدمين الى جبل النصر ومخيمه , واذا ما كان الوضع الاقتصادي ناميا فثمة مغامرة في محلات كتّاو لاطلاق بعض طلقات الدمدم على هدف ورقي طمعا بنيل جائزة او هدية لم نحصل عليها ابدا .

لا يكتمل العيد بدون “ حبيبة “ ولا نكهة لوسط البلد اذا لم تكتمل في دخلة البنك العربي وتناول الكنافة , كبرنا وانتقل الصانع الى مدخل المحل , قبل ان يكون قاطعا لفيشة الكنافة وكنّا نرقبه بوقار شديد , وانتج المرحوم محمود حبيبة حالة خاصة عنوانها الحلاوة والمذاق العمّاني الخالص , وكانت زيارة ابناء المحافظات الى العاصمة ايضا دون اكتمال بدون رؤيته والمرور على مطعم القدس , الذي كان اول نجاح خليلي امام منافسة النوابلسة والشوّام في قطاع المطاعم , فعمان لها ذاكرتها التي لا تنتهي , من طُحل زكي الى فستق ابو احمد النيجيري وصولا الى حبيبة وكشك ابو علي .
محمود حبيبة , في غمر انشغاله بالكنافة , انتج ثقافة وطنية وحدوية ربما تحتاج الى علماء اجتماع لقراءتها , كدليل اضافي على وحدة الضفتين , فمنذ هجرة الكنافة من غربي النهر , تحالفت موضوعيا مع المنسف , الطبق الرسمي البهي والسياسي بتكوينه ونشأته شرقي النهر , ولربما ثمة رابط آخر بين الطبقين وهو الحاجة الى اكثر من يد للاعداد بمعنى انها اطباق جماعية , فصارت الكنافة جزء من المنسف وملاصقة له , ودون شعور وربما بغريزة ادمانية بات صحن الكنافة حاضر مع المنسف ومكملا له في اية وليمة , ولربما بات كلاهما لا يحلو بدون الآخر , وتشعر بنقص اذا ما حضر احدهما منفردا .
في دخلة البنك العربي كان حبيبة الرجل عنوانا عمانيا صارخا , وكانت كنافته تضيف حلاوة لعمان , رغم الفروع التي انتشرت جنوبي وغربي العاصمة , الا ان ذائقة حبيبة بقيت في دخلة البنك العربي , فهناك بدأت وهناك ابتدأت حكاية رجل عصامي وكأن قدر تلك البقعة ان تكون شاهدة على العصامية , من شومان الى حبيبة الى حسن ابو علي على شدة الفوارق في رأس المال , لكن عمان القديمة بقيت امينة لمن بدأ , فعرقه ظل هناك ورائحة المكان تختلط برائحة الرجل ومنتجه الحلو , لذلك بقيت كنافة حبيبة في تلك الدخلة الصغيرة لها طعم آخر .
الحاج محمود حبيبة رحل الى ربه , لا نعرفه بالمعنى التواصلي ولا يعرفنا رغم تحرشاتنا به استنادا الى علاقته مع حسن ابو علي , لكن وقاره وضخامة جسده وانشغاله بالزبائن كانت تمنع مزيدا من التواصل معه , الى ان رحل الى ربه دون ضجيج وبعذوبة تشابه عذوبة كنافة حبيبة , التي ستبقى على ذائقتها وسيبقى محمود حبيبة حاضرا في ذاكرتنا , فنحن كبرنا معه وكان جزء من ذاكرتنا وعنوانا لنجاحنا الاقتصادي كجيل كان تجميع مبلغ ربع دينار كافيا للمرور عليه بأناقة بعد غزوة ناجحة في وسط البلد .
الحاج محمود حبيبة ندعو لك بالرحمة ونسأل الله ان يقبلك قبولا حسنا , فأنت اول الحلاوة في عمان وشاهدا على وحدتها وشاهدا لها بأنها اكثر المدن حنانا على فلسطين واهلها .
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.