صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تفجيرا القطيف والدمام وأسئلة العلاقة الشيعية السنية

0

كان لافتا أن الغالبية الساحقة من العلماء والدعاة في المملكة العربية السعودية لم يترددوا أبدا في استنكار التفجيرين اللذين استهدفا مسجدين للشيعة في القطيف والدمام، من دون أن يكون من بينهم من ينظر إلى الخلاف السني الشيعي في الإطار الفقهي والعقدي بروحية التهوين، بل ربما كان بعضهم ممن لا يترددون في التكفير. والحال أن التكفير في المعسكر الآخر لا يقل أبدا عنه في الإطار السني، لكنه لا يبدو معلنا في الغالب، إذ أن الاعتقاد السائد في الأوساط الشيعية هو أن الإيمان بالولاية من أركان الإسلام، وليس من أركان الإيمان فقط.
ما استوقفنا في مسألة التفجيرين هو أن المسافة بين الإطار النظري، وبين الإطار العملي في النظر إلى الشيعة تبدو كبيرة، إذا أن النظر إليهم ككفار لا يعني قتالهم، فالقتال عند الغالبية الساحقة من العلماء ليس مرده الكفر، وإنما العدوان، وليس مطلوبا من المسلمين أن يقتلوا كل أحد لا يؤمن بدينهم.
هذا يعني أن المسألة النظرية ليست هي الأصل، والحديث عن تقارب بين المذاهب قد يكون إضاعة للوقت في أغلب الأحيان، فهذا النوع من التقارب والتغيير لا يأتي في المنتديات، وإنما يأتي نتاج حوارات طويلة، وفي الغالب نتاج تفكير شخصي، وستجد من السنة من يقترب في بعض المسائل من الشيعة، وستجد العكس، وأنماط التدين عموما هي اختيارات فردية أكثر منها جماعية، بخاصة في الزمن الراهن حيث الانفتاح على جميع الأفكار، خلافا للزمن القديم حين كان شيخ القبيلة يتخذ دينا أو مذهبا، فيلتحق به جميع أفراد القبيلة.
الأقليات في المنطقة ليست ظاهرة جديدة، وهي موجودة على مدى القرون، وكانت السمة العامة للعلاقة هي التعايش فيما بينها، باستثناء فترات محدودة، والسياسة هي التي تدمر العلاقات أكثر من الأديان والمذاهب، لكن حين يجري استخدام الأخيرة في الصراع، فإنه ما يلبث أن يصبح أكثر عنفا ودموية.
ثمة مظالم كثيرة تتعرض لها الأقليات، ليس في العالم العربي، وإنما في إيران أيضا، وربما اعتقد العلويون في تركيا أنهم مظلومون أيضا، وكذلك الأكراد، لكن المؤكد أن الظلم الذي تعرضت له الأغلبية كان أكبر، لأن الطغيان كان يخشى اضطهاد الأقليات لاعتبارات الخارج، بينما يفعل ذلك مع الإغلبية بسهولة، وإن لم يحدث ذلك بروحية دينية بالضرورة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل إن حل المسألة الشيعية في منطقتنا يكون من خلال الوقوف خلف العدوان الإيراني. وهل هذا الحديث الذي يتردد عن مظالم 1400 سنة يمكن أن يكون حلا، فيما هو استعادة للثارات التاريخية؟! المؤسف بطبيعة الحال هو أن من يعتقد بالمظلومية، ما لبث أن تحوَّل إلى ظالم، والأمر هنا لا يتعلق بإيران التي تمارس العدوان، وإنما بمن يصطفون معها، فإذا كان بوسع العراقيين الشيعة أن يتحدثوا عن مظالم أيام صدام (هل كان السني مستمتعا بالحرية والرفاه مثلا، أم أن الموالي هو المقرب أيا يكن مذهبه؟!)، فإن من العبث أن يقف هؤلاء ضد عدوان أقلية طائفية في سوريا، وكذلك أقلية طائفية أو تابعة لإيران في اليمن. كيف يمكن أن يغدو ذلك مقبولا، وبأي منطق، سوى المنطق الطائفي الذي قبل بمبدأ الوصاية الإيرانية على جميع أتباع المذهب، وقبل بأن تدفعهم نحو أي موقف مهما كان ظالما وعدوانيا؟!
ما يجري عموما، ورغم مساوئه وما يجلبه من معاناة ودمار، يمكن أن يفتح الباب (بعد وقف العدوان والتفاهم على حل شامل مع إيران)، على تسويات تطال المسألة المذهبية حتى في إطارها الديني، وليس السياسي وحسب، بعيدا عن روحية الإقصاء، وقريبا من روحية الحرية دون الاعتداء على مقدسات الآخرين.
هو صراع دموي ومؤسف إلى حد كبير، وأساسه العدوان الذي تمارسه إيران، وبيدها أكثر من غيرها فتح الباب أمام تسويات تاريخية لا تشمل العلاقة بين الدول، بل بين الشعوب والأقليات بما يحقق الخير للجميع.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.