صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اصوات الشذوذ تتصاعد..!!

0

كأي مجتمع من المجتمعات ، لا يخلو مجتمعنا من الشذوذ، فثمة شذوذ يصفعنا باسم الدين ، وشذوذ جنسي يثير اشمئزازنا ، وآخر ثقافي وسياسي، لكن يبدو ان حادثة “اللويبدة” الاخيرة التي نشرتها احدى المجلات الامريكية افزعتنا واثارت غضبنا، وهذا يبدو مفهوما ومطلوبا ايضا في سياق استنكار المجاهرة بالرذيلة والدفاع عن قيمنا الدينية والاجتماعية التي ترفض الشذوذ الجنسي ، لكن غير المفهوم هو اننا كنا آخر من يعلم حيث وصلنا الخبر من الخارج ، كما اننا استسلمنا لما نشرته المجلة وتناقلته وسائل الاعلام دون ان ندقق فيه او نستقصي خلفياته ونتحرى حقيقته وصدقيته، وغير المفهوم ايضا اننا اختزلنا مفهوم الشذوذ في الجنس فقط، على خطورته واحساسنا بالقرف تجاهه، لكننا ما زلنا نغض الطرف عن انواع اخرى من هذا الشذوذ الذي احكم قبضته علينا ، وتحول بفعل الصمت والتواطئ احيانا الى حالة مقبولة ، تعايشنا معها للاسف رغم انها تضرب في عمراننا الانساني والاجتماعي والسياسي وتهزه من الجذور.
لا اريد ان ابدو وكأنني احاول الدفاع عمن حضر ندوة اللويبدة( احدهم محامي وبعض الاخوات المحجبات كما ظهر في الصور التي نشرت ) ، فانا ضد اي دعوة للشذوذ مهما يكن عنوانها ، لكن من خلال متابعتي للموضوع والاستفسار عنه تبين لي ان الذين بعض من حضروا الندوة تفاجأوا ( ربما تورطوا) بما حدث، كما ان ما طرح فيها لم يتطرق مباشرة لقضية “المثلية “ الا من خلال سؤال وجهه احد الحاضرين حول الموقف القانوني منها وتم الاجابة عليه ، كما تبين لي ان المكان الذي عقدت فيه الندوة سبق واثيرت حوله الشبهات فيما يتعلق ببعض الزبائن “المثليين” الذين يرتادونه، ويبدو ان ثلاثة من الذين شاركوا في الندوة ( وهم من فصيلة المثليين) استغلوا الحادثة ونشروها على اعتبار انها جزء من نشاطاتهم في هذا المجال.
لا يجوز ، بالطبع ، ان نضع رؤوسنا في الرمال ، فلدينا كما قلت شاذون ( لانعرف عددهم ) لكن اصواتهم ارتفعت منذ سنوات ، وبالتالي لا يكفي ان نستنفر بعد كل حادثة لاشهار البراءة منهم ، او الدعوة الى محاسبتهم ، وانما لا بد ان نتحرك في اكثر من اتجاه : الاول اتجاه فهم ما حدث في مجتمعنا وما طرأ على قيمه من تحولات واصابات وصلت احيانا الى العصب، وهذا الفهم يقتضي معرفة الاسباب وتحديد الحلول والمعالجات ، الاتجاه الثاني هو وضع الانحرافات والممارسات الشاذة ، سواء اكانت باسم الدين( التطرف مثلا) او باسم الجنس( الفاحشة بانواعها) او باسم السياسة( المقررات والمواقف المستفزة والشاذة) في سلة واحدة، والتعامل معها بمنطق الرفض والمواجهة ، صحيح ان بعضها اخطر من الآخر ، لكن الصحيح ايضا انها تتغذى من اسباب مشتركة وتتقاطع فيما بينها وتشكل بالتالي ادوات “متضامنة” لهدم المجتمع وتفكيكه.
ما جرى في اللويبدة ليس المرة الاولى التي يطل علينا منها صوت” الشذوذ” ، فقبل نحو عشرين عاما – على ما اتذكر – تم القبض على شخص يرتدي ملابس نسائية ، وحين تم التحقيق معه اداريا تبين انه ضمن مجموعة تتكون من 27 شخصا لديهم ميولات شاذة ، وقد اوقفوا آنذاك في السجن بقرار من الحاكم الاداري ، لكن بعد شهرين تم الافراج عنهم بعد توقيعهم على تعهدات شخصية تضمن عدم تكرارهم لمثل هذه الممارسات ، ومنذ ذلك الوقت لا اعتقد اننا فعلنا ما يجب ان نفعله لمواجهة هذه الحالات التي يبدو انها اصبحت تتصاعد ، لا على صعيد التشريعات التي ما تزال تخلو من اي نصوص واضحة وحاسمة لمحاسبة المتهمين، ولا على صعيد التوجيه الديني والثقافي الذي مازال ينظرالى هؤلاء كمجرمين لا كضحايا يمكن معالجتهم.
ارجو ان لا نهوّن من قضية “الانفلات” الاجتماعي ، فهي لاتقل خطرا عن الانفلات الامني او السياسي ، كما ارجوا ان لاتأخذنا الاصوات التي ترتفع اليوم للمطالبة بالاستثمار في “الحرام” سواء بذريعة الاقتصاد او الانفتاح والحريات الخاصة او نكاية “بالتدين” ( خذ مثلا الترويج لزراعة العنب لانتاج النبيذ ، وخذ ايضا فتح الكازيونات للحفاظ على الموارد المالية المحلية..)وكذلك عدم اغلاق محلات الأراجيل لأنها جزء من الاستثمار السياحي وتشغيل العمالة ، او لمواجهة التوحش بالتفحش ،، ان لا تأخذنا هذه الدعوات الى فساد اكبر وأسوأ من الفساد الذي خرجنا – ذات ربيع – لمواجهته والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنه.
باختصار ، نريد ان يبقى مجتمعنا نظيفا من الفاحشة ، وان نتوافق للتصدي لكل المجاهرين بها ، سواء اكانت هذه الفاحشة تحت عنوان الجنس او السياسة او الاقتصاد..الخ، ولنتذكر دائما ان هذا البلد الذي مر منه الانبياء الكرام ويضم مقامات الفاتحين ، وفيه القرية التي خسفها الله جراء ما فعله اهلها من فواحش، حريّ بان يرفع راية الفضيلة لانها “سر” الامان الذي يتمتع به، وسياجه من كل خطر يمكن ان يواجهه لا قدر الله.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.