صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الكراهية حرب على الذات

0

“لَوْ تَشْرَبُونَ دَمِي لَمْ يَرْوَ شَارِبُكُمْ
وَلا دِمَاؤُكُمُ جَمْعًا تُرَوِّينِي”
(الشاعر الجاهلي ذو الإصبع العدواني)
لا نحتاج إلى الكراهية لنقيم العدل ونحارب الأعداء. وخطاب الكراهية للآخر، مهما كانت جريمته، لا يبرر أن نطلق لأنفسنا العنان في المشاعر والأفكار، ثم اجترار الكراهية وتحويلها إلى أفكار وسياسات وتحليلات. إننا بذلك نتحول إلى متطرفين خطرين على أنفسنا، ونفسد بهذه الكراهية الصراع مع الأعداء والمعتدين، ونقع على الأغلب -أفرادا ومجتمعات وحكومات- ضحية ردود أفعال غاضبة ومتسرعة. وأسوأ من ذلك أن الكراهية تفشل التخطيط السليم والذكي، ويقع المخططون السياسيون والعسكريون والاجتماعيون تحت ضغط وتأثير مشاعر وأفكار جارفة. ثم يتقدم الأكثر كراهية، ولو كان فاشلا أو عاجزا، ويكون هو الأكثر قبولا واحتراما، وتتراجع الكفاءة والمعرفة كأساس لاتخاذ القرار والتخطيط لتحل محلها الكراهية.
ثمة لبس وخلط بين الكراهية والغضب، وبين المواجهة والكراهية، وبين العدل والكراهية، وبين المعارضة والكراهية، وبين إنكار المنكر والكراهية، وبين العقوبة والكراهية.. وهذا يحول الحرب مع العدوان والخطأ إلى حرب على الذات. ففي الكراهية نعاقب أنفسنا ولا نعاقب الأعداء والخصوم، لأننا في ذلك لا نعود قادرين على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين المنفعة والضرر، وبين القبح والجمال؛ ويتعطل العقل. والغرائز أيضا ترتبك لتحل محلها الأهواء. فهناك فرق كبير وجوهري بين الغرائز والأهواء. إذ إن الغرائز هي الدوافع والمحفزات الأساسية للحياة والبقاء والدفاع عن الذات في حياد تام، ويوجهها العقل لتكون أكثر ذكاء وكفاءة، وتهذبها المشاعر والأخلاق الحسنة للارتقاء بالذات وحمايتها من الانحطاط.
ثم نمضي في متوالية تضليل الذات؛ فتتحول الدعوة إلى نبذ الكراهية إلى اعتبارها دعوة إلى القبول بالخطأ أو العدوان أو الجريمة أو الإرهاب والتطرف أو الاحتلال أو العفو عن الجاني.. فهذا يدل على أن الكراهية متمكنة لدرجة تعمي صاحبها عن ملاحظة الخطأ والصواب، وحولته إلى مريض أو جانٍ يجب معالجته أو معاقبته.
نتحول إلى “دواعش” إذا استسلمنا لأفكار ومشاعر الكراهية، والدعوة إلى القتل والحرق.. ما الفرق بيننا وبين “داعش” إذا كنا نفكر ونسلك مثلهم؟ وإذا كان مفهوما أو متوقعا أن يمضي أفراد أو فئات من الناس في الهياج والكراهية (ولا أقول الغضب) فليس مفهوما أن تفعل الحكومات ذلك.
الحرب على “داعش” والإرهاب ضرورية. وقد كتبت في “الغد” بتاريخ 30/ 11/ 2014، أن الحرب البرية على “داعش” هي حربنا. ولكننا لا نحتاج لأجل هذه الحرب إلى الكراهية، ولا إلى المشاعر والأفكار الدينية. فهي ليست حربا دينية، ولكنها بوضوح حرب على العدو، ولأجل حماية مصالح بلادنا ومواطنينا. ولا يغير من طبيعة الحرب والعداوة أن يكون العدو من يكون في دينه وتقواه وقرابته، وقد تحارب عدوك وأنت تبكي لأجله. والشاعر العربي عنترة أدرك ذلك قبل ألف وخمسمائة سنة، عندما قال: “ليس الكريم على القنا بمحرم!”.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.