صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الصدمة الثانية

0

تجنبت رؤية الشريط المروّع الذي يصور جريمة “داعش” بحق الشهيد البطل معاذ الكساسبة، وتجنبت محطات التلفزة التي بثته. وكنت سأدعو كل شخص أن يتجنب رؤيته. لكنني في النهاية رأيته. والآن، أكاد أدعو الجميع أن يراه، حتى لا تبقى لديه ذرة شك بشأن حقيقة هذا التنظيم المجرم، وحقيقة أنه شيء لا يمكن قبول وجوده وبقائه بين ظهرانينا. وكما أن المرضى العقليين الخطرين على محيطهم يحجر عليهم احتياطيا، فكذلك هذا التنظيم الإجرامي الخطير.

تحدثنا كثيرا، خلال الأيام القليلة الماضية، على قنوات التلفزة وعبر المحطات الإذاعية. لكن إحساسا دائما كان يعترينا بعجز اللغة عن إيفاء هذه الجريمة وصفها الذي تستحقه. ولعل العزاء الأكبر لأهل الشهيد معاذ هو في ردة الفعل الجماعية في الأردن والخارج. ففي كل بيت أردني كان بيت عزاء، وتوحد الأردنيون كعائلة واحدة أصابها المصاب الجلل. وفي رسائل الاستنكار والتعزية من قادة العالم إلى جلالة الملك، تلمسنا حجم الصدمة والغضب على هذه الجريمة.

اليوم لن يكون أبدا كالأمس. ويكفي معاذ في تضحيته العظيمة أنه صنع انعطافة كاملة في وعي الناس، كما صنع محطة تاريخية جديدة لها ما بعدها.

لقد ثبت، أولا، أن “داعش” قتل أسيرنا البطل في وقت مبكر. فلم يكن التنظيم معنياً بأي صفقة تحفظ حياة معاذ، بل فقط بتقديم رسالة رعب وترويع جديدة، على غرار ما فعل هذا التنظيم مع كل الرهائن الأبرياء، من صحفيين نزيهين قرروا المغامرة لنقل معاناة الشعب السوري، أو عاملي إغاثة قادهم حظهم العاثر إلى الوقوع بين أيدي المجرمين الذين لا يعرفون أي مبدأ إنساني أو ديني. وبالنسبة لمعاذ، فقد اجتهدوا بخيالهم المريض والإجرامي لجعل عملية قتله هي الأكثر رعبا وقسوة.

الحقيقة أنه لم تكن تعنيهم كثيرا حياة ساجدة الريشاوي أو غيرها، بل يعنيهم فقط تقديم نماذج جديدة على القسوة الوحشية والرعب. ويبدو أنهم في اليوم التالي لأسر معاذ، كانوا قد باشروا وضع التصور لتجسيد توحشهم غير المسبوق. وهم لذلك لم يطرحوا أي عرض لصفقة، وإنما تلاعبوا فيما بعد بمخادعة الأردن، كما اليابان، لبعث الاضطراب في جبهتنا الداخلية.

صحيح أنهم أحرقوا قلوبنا بالمشهد المرعب الذي رتبوه؛ وصحيح أنه لا يعنيهم الحصول على دعم وتعاطف الجمهور، بل فرض الرعب والخوف والاستسلام له، لكنهم استفزوا في كل رجل وامرأة في هذا البلد روح التحدي. ولن يقبل الأردنيون، منذ اليوم، بأقل من استئصال هذا التنظيم المجرم.

كانت الساحة المحلية منقسمة بشأن حقيقة “داعش” والحرب عليه. أما الآن، فإن الجميع موحد مثل قبضة اليد حول المطرقة التي ستنهال على هذا التنظيم بلا هوادة، ومعنا كل العالم. ويفهم الأردنيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ماذا يعني وإلى أين يوصل التطرف السياسي الديني والفكر التكفيري.

هذه صدمة الوعي الثانية في هذا المجال. كانت الأولى عقب تفجيرات الفنادق في عمان، العام 2005. لكن “القاعدة” كانت يومها محصورة في العراق، ومبرر وجودها محاربة الاحتلال الأميركي. وهذه هي الصدمة الثانية، لكن تنظيم “داعش” يعلن دولة الرعب والقتل فوقنا وحولنا.

إذن، فلتكن المواجهة الكبرى والحاسمة.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.