صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الملك في المكان الصحيح

0

تجاهل بعض المعلقين على مشاركة الملك والملكة في مسيرة باريس ضد الإرهاب، وعن عمد، السؤال الجوهري: هل تؤيدون الطريقة البشعة التي اختارها “الأخوان كواشي” في الانتقام من صحفيي “شارلي إيبدو” على ما نشروا قبل سنتين من رسوم مسيئة للرسول الكريم؟

الجواب ينبغي أن يكون حاسما وواضحا. وبناء عليه، سنعرف موقف كل واحد منا؛ مع الملايين في شوارع باريس، وملايين الملايين من العرب والمسلمين الذين نددوا بالجريمة النكراء، أم في معسكر التطرف، وخلف البغدادي ومن هم على شاكلته من قادة الإرهاب والتطرف.

في وقت مبكر جدا، اختار الأردن أن يكون في معسكر الأغلبية العالمية التي ترفض التطرف والإرهاب، وفي معسكر التيار الواسع في عالمنا العربي والإسلامي الذي كان المتضرر الأكبر من أفعال الإرهابيين وشرورهم.

كان الملك والملكة هناك، لأن الحرب المشتعلة تخصّ صورتنا وهويتنا وقيمنا الحضارية، ومن العار أن نتردد أو نتقاعس عن خوضها بجرأة وشجاعة.

التضامن مع ضحايا الإرهاب في باريس، وفي كل مكان، لا يعني أبدا القبول بمنطق “شارلي إيبدو” وسياستها التحريرية، إنما هو تعبير عن إدانة جسورة للرد البدائي والوحشي في عالم يتسع لحوار حضاري ومتمدن مع الآخر.

علينا أن نتعلم من الغرب كيف نرد بالحجة والمنطق، ونُحدث الفرق بالفكرة؛ لا بالسيف وجز الرقاب. لا أخجل من قول ذلك. بالأمس، نشر موقع “سي. إن. إن” عربي ما ورد على لسان روبرت ميردوخ، إمبراطور الإعلام في الغرب، من كلام مستفز. مردوخ قال ما ملخصه إن على المسلمين في كل أنحاء العالم تحمل المسؤولية عما حصل في باريس. لم يأته الرد القوي من مفكر عربي أو مسلم، بل من جيه. كيه. رولينغ، الكاتبة المشهورة، ومؤلفة سلسلة “هاري بوتر” الأكثر شهرة وانتشارا في العالم. رولينغ ردت بالقول: “ولدت مسيحية. وإذا كان هذا الأمر يعني أنني أتحمل مسؤولية روبرت ميردوخ، فأنا سأطرد نفسي من الكنيسة”. وزادت: “إذا كانت غالبية المسلمين تتحمل أفعال قلة متطرفة، فالمسيحية تتحمل أوزار محاكم التفتيش الإسبانية، وعنف المتشددين المسيحيين”.

وفي انتقادات بعض المعترضين على المشاركة في مسيرة باريس مزايدات لا تتحملها مسؤولية اللحظة التاريخية الصعبة التي نمر فيها. هل تعني المشاركة في مسيرة عالمية ضد الإرهاب تجاهلا لمعاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومأساة السوريين والعراقيين، وغيرهم من الشعوب العربية؟

من أكثر منا في الأردن يكابد وجع تلك الأزمات والمآسي؟ بلد يستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري؛ هل تريدون تظاهرة نشارك فيها يوميا أكبر من هذه؟ هل يمكن لأي كان أن يحصي عدد الفعاليات العالمية التي شارك فيها الملك من أجل فلسطين؟ فلسطين معركة الأردنيين اليومية، في كل المحافل والساحات الدولية. في باريس نفسها كان الملك قبل فترة وجيزة من الأحداث الأخيرة. لم يتحدث عن هموم الأردن، قدر ما تحدث عن قضية فلسطين، بوصفها جوهر الصراع، والتأكيد المستمر على أن لا معنى لمواجهة التطرف والإرهاب من دون حل عادل يرفع عن الفلسطينيين الظلم التاريخي المتمثل بالاحتلال.

في سورية، كما في العراق واليمن، لم تنصت القوى المتصارعة ومن يدعمها خارجيا لصوت الأردن. لو أنصتوا منذ البداية، لجنبنا شعوبنا العربية الكوارث والويلات. لم يبحث الأردن عن دور في سورية والعراق كما فعل بعض اللاعبين، بل عن حل سلمي وسياسي يجنب هاتين الدولتين الفوضى والخراب. انظروا ماذا فعل اللاعبون في بلداننا، وتأملوا المواقف!

مسيرة باريس ليست تضامنا مع بضعة أشخاص طالتهم يد الإرهاب. هذا شأن فرنسي خالص. التظاهرة حدث عالمي شاءت الظروف أن يكون في باريس لقول “لا” كبيرة ضد الإرهاب في كل مكان؛ في فلسطين والعراق وسورية ولبنان، ونيجيريا وأوروبا أيضا.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.