صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من عالم الفساد: سقراط البرتغالي وهيون الكوري

0

الحديث عن الفساد مثل قصص الغولة في التراث الشعبي إن بدأت لا تنتهي ، والغولة غابت هي وقصصها عن البلاد منذ عامين فرئيس الوزراء ” أعرب عن قناعته بانه خلال العامين الأخيرين توقف الحديث عن وجود فساد بالدولة ” وهذه إشارة منه الى منجزات حكومته التي يعجز الأردنيون في الحديث عنها من كثرتها !. وتصريح الرئيس يتناقض مع اعلان رئيس هيئة مكافحة الفساد بان معدل قضايا الفساد بين ٦٠ الى ٧٠ قضية في العام الواحد ، فاذا كانت هذه القضايا لا تثير حديثاً بين الاردنيين فهذا يعني بان اقتلاع الفساد امر ميئوس منه أوانهم باتوا يسلمون أمرهم لرب العالمين .
” توقف الحديث عن وجود فساد بالدولة ” لا يعني انه انتهى .. لا ، الفساد موجود وانا هنا لا أشير الى رشوة موظف صغير ولا اختلاس مئة او الف دينار ، انما الى قصص لا تحصى يتداولها الأردنيون في أحاديث عن فساد مختلف ، مثل الثراء المفاجئ لمسؤول سابق او لاحق . او قصص اثرياء تجارة عابرة ، مثل أثرياء الحروب ، يدخلون السوق بقروض من البنوك ويخرجون منه بأرصدة بالملايين . هذا النوع من قوارض الفساد اكبر من قدرة هيئة مكافحة الفساد على اكتشافه وملاحقته انه يحتاج الى عملية مفاجئة ومباغته أشبه بالعملية الحربية , المسلحة بالإرادة وبمعلومات من المؤسسات المسؤولة ، تمنحها قوة كاسحة تحت غطاء اعلام استقصائي حر ومستقل يتعقب قصص الفساد التي يتداولها الناس بمهنية وجرأة .
بالطبع لا أستطيع ان اسرد ولو قصة فساد واحدة متداولة بين الاردنيين لأني احتاج الى أدلة ، الناس تسمع وترى ( واللي تسمعه بالأذن مش مثل اللي تراه العين ) لكنها ليست المسؤولة عن توفير المعلومة الصحيحة (في ظل عدم تعديل قانون الحق في الوصول الى المعلومات )، فقط ( العملية الحربية ) ضد الفساد ، المدعّمة من اجهزة الدولة هي القادرة على ذلك . بالمقابل ساسرد بعض القصص الكبرى من عالم الفساد ما دامت سيرة وانفتحت ، مع ملاحظة ان معظم قصص الفساد عندنا هي التي تشبه قصص الغولة التي لا يمكن إثبات وجودها ، لكن هناك أمكنة اخرى من العالم تقل فيها الأقاويل ويسود العمل ضد الفساد بشفافية ومراقبة ومحاسبة وسجون ما فيها كبير وصغير .
خلال الأسبوع الماضي اعتقل رئيس وزراء البرتغال السابق جوزيه سوكراتيس ( سقراط ) الذي حكم من عام ٢٠٠٥ الى ٢٠١١ وذلك بتهمة الفساد والتهرب من الضرائب وغسيل الاموال . هذا الاعتقال جاء في اطار حملة اطلق عليها( العملية ماركيز) التي بدأت منذ شهرين تم خلالها اعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين . وكانت عملية مماثلة قد أنطلقت في إيطاليا في أواخر الثمانينات اطلق عليها اسم ( الأ يادي البيضاء ) التي طالت مسؤلين كبار يتلقون رشاوي من المافيا ، وكانت حربا أغتيل فيها عدد من كبار القضاة على يد المافيا لكن العملية نجحت .
ومن قصص الفساد الاخرى ، التي لا تشبه قصة الغولة ، ما حدث لرئيس جمهورية كوريا الجنوبية الأسبق في عام ٢٠٠٩ المدعو روه مو – هيون الذي انتحر بإلقاء نفسه من قمة جبل بعد ان بدأ التحقيق معه عن ملايين الدولارات كانت زوجته قد تلقتها من صانع أحذية هي وزوجة ابنة أخيه .
في ايرلندا لم تنجح الحملة ضد الفساد الا عندما سن قانون ” من اين لك هذا ” لتجاوز نقص المعلومات مع وجود الشواهد على الفساد والجريمة .
في الاخر ، انصح الاردنيين بانه كلما طُرحت قصة الفساد ان يشعروا بالانتماء للعولمة ويفتخروا بما يحدث لسقراط البرتغالي وما حدث لهيون الكوري من عقاب على فسادهم وإلا عليهم ان يصدقوا رئيس الوزراء بانه لا يوجد في البلد حديث عن فساد !.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.