صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نظرية ‘الوسائد’ الأردنية في مواجهة المخاطر الأمنية

0

البناء على التوقعات، هو المقاربة التي اعتمدها الأردن في مواجهة التداعيات المحتملة للأزمتين في سورية والعراق على الأمن الوطني الأردني.

عند المرحلة التي شعر فيها صانع القرار الأردني بأن الصراع في البلدين المجاورين يكاد يفيض خارج حدودهما، شرع في تنفيذ سلسلة من التدابير لمنع انتقال الفوضى إلى الأردن، وإبعاد الجماعات الإرهابية عن حدوده، والتخفيف من عبء اللاجئين.

واعتمد في ذلك نظرية “الوسائد” (Cushions)، لامتصاص الصدمات خارج أراضيه، والتي تقوم على نسج التحالفات مع قوى فاعلة في الجوار العراقي أولا، ومن ثم السوري.

في العراق، انتهج الأردن مبكرا هذه السياسة. إذ تنبه مسؤولون كبار إلى أهمية الاعتناء بالقوى العشائرية النافذة في مناطق غرب العراق. كان ذلك تحديدا بعد تفجيرات فنادق عمان العام 2005، والتي نفذها عراقيون من أتباع أبومصعب الزرقاوي.

منذ ذلك الوقت، نشأت علاقات وثيقة بين الأردن وعديد الشخصيات والجماعات المؤثرة في الوسط السني في العراق. وتحولت عمان إلى مركز شبه دائم لنشاطاتهم وتحركاتهم.

مع تدهور الأوضاع الأمنية في العراق قبل أشهر، واجتياح تنظيم “داعش” لمناطق واسعة منه، شعر الأردن بقلق بالغ من تقدم عناصر التنظيم نحو الحدود الأردنية. وبدا أن هذا هو الوقت المناسب لاستثمار رصيده من العلاقات لتأمين مصالحه. وبالفعل، آتت هذه السياسة ثمارها؛ فقد تكفلت القوى العشائرية التي احتضن الأردن مؤتمرا لقادتها قبيل “تنحي” نوري المالكي، بمنع مقاتلي “داعش” من الاقتراب من الحدود الأردنية (أقرب نقطة يتواجد فيها مقاتلو التنظيم تبعد 110 كم عن الحدود الأردنية).

في الحالة السورية، احتاج الأردن لبعض الوقت لتطبيق النظرية، وبعد أن ناهز عدد اللاجئين السوريين نصف مليون. ونظرا للاختلاف الجوهري في الظروف بين الحالتين العراقية والسورية، كان على أجهزة الدولة أن تنسج خيوط العلاقة مع فصائل سورية مسلحة، عملت بدأب على تدريب الآلاف من عناصرها، ومدهم بالاحتياجات الضرورية، ليكونوا بمثابة جيش موال للأردن يتولى تنفيذ مهمتين رئيستين: الأولى، “مسك” الوضع الميداني في المناطق المحاذية للحدود الأردنية، لمنع تمركز الجماعات المتطرفة فيها. والثانية، تنظيم عملية اللجوء، بحيث تصبح هذه الفصائل هي القوة المسؤولة عن تحديد من يحق لهم دخول الأراضي الأردنية، ومن جهة أخرى تأمين الإقامة لنحو مليون سوري نزحوا إلى محافظة درعا وجوارها. ولهذه الغاية، أنشئت خمسة مخيمات، يتولى الأردن -بعد قرار مجلس الأمن بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين داخل سورية- تأمين كافة احتياجات المتواجدين فيها؛ الغذائية والدوائية، بالاعتماد على مساعدات تقدمها المنظمات الدولية.

لقد جنبت هذه الخطة الأردن تدفق هذه الأعداد الضخمة إلى أراضيه، وبما يعني مضاعفة عدد اللاجئين السوريين في حال لم تتوفر لهم الخدمات الأساسية.

أثبتت نظرية “الوسائد” نجاعتها؛ فقد خففت العبء على وحدات الجيش الأردني المرابطة على الحدود، وحالت دون تمتع الجماعات الإرهابية بحضور قوي في المناطق القريبة من الحدود الأردنية، كما شكلت قوة فصل بين القوات الأردنية وما تبقى من وحدات للجيش السوري في المناطق الجنوبية.

إزاء التوقعات المتشائمة لمسار الأزمة في سورية، لم يعد هناك ما يمكن الرهان عليه هناك سوى قوات المعارضة المعتدلة في المناطق الجنوبية، وهي التي تدين بالولاء للأردن. لكن أهميتها بالنسبة للدولة الأردنية تكمن في كونها الطرف المؤهل لخوض المعارك نيابة عن الجيش الأردني.

وبوجود مثل هؤلاء الحلفاء في العراق وسورية، “لسنا بحاجة إلى إرسال جندي أردني واحد إلى ميدان المعارك”، على ما يؤكد مسؤول أردني كبير.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.