صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لماذا نغمض عيوننا؟

0

في متابعة كثير من القضايا المحلية، لاسيما الاجتماعية والغريبة خصوصاً عن المجتمع الأردني، تستقبل “الغد” الكثير من الملاحظات، عبر الاتصالات الهاتفية، أو من خلال موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، يعبر فيها أصحاب هذه الملاحظات عن رفضهم الخوض في مثل تلك القضايا.

ويصل الرفض، أحيانا، حد الإدانة وتوجيه الاتهامات للإعلام و”الغد”، بالترويج لظواهر سلبية بدأت تظهر بشكل أكبر في مجتمعنا، نتيجة أسباب كثيرة؛ تبدأ ربما بضعف التشريعات والعقوبات، مروراً بالحال الاقتصادية الصعبة، ولا تنتهي بشعور المرء بالتهميش والظلم وغياب العدالة وتكافؤ الفرص.

القضايا المنفرة، كثيرة ومتنوعة، أبرزها الاعتداء (جنسياً) على المحارم، وما يسمى قضايا “جرائم الشرف”، وغيرها من قضايا حساسة مجتمعيا، يندرج ضمنها التحقيق المصور الذي أعدته “الغد”، ونشرته أول من أمس، حول الدعارة في الأردن.

ويمكن التسليم بأن الرفض، عموماً، مبعثه نوايا طيبة، بما فيها محاولات البعض تغطية عيوبنا. لكن هل هذا هو الحل فعلاً؟ هل السكوت على تلك الجرائم والممارسات الشاذة وعدم الخوض فيها، أفضل من بحثها وإخضاعها للتقييم والحكم؟

الفئة الرافضة تؤمن بقاعدة “إذا بليتم فاستتروا”. لكن أصحابها يتناسون أن إهمال مثل هذه القضايا من قبل الإعلام، بعدم تسليط الضوء عليها والبحث في أسبابها، هو الأمر الكفيل باتساع مداها ومخاطرها لتصبح ظاهرة فعلاً، بدلاً من السعي إلى علاجها الذي يبدأ بالمصارحة والمكاشفة.

عند هذا الحد، ندخل كإعلاميين في جدل مهني أخلاقي. إذ نحتار بين ضرورة كتابة الحقيقة على بشاعتها، وبين تجنب نشر هذا النوع من التحقيقات والأخبار، وآخرها ما سمي “جريمة طبربور” التي أودت بحياة أسرة بكاملها، أغلب الظن أنها كانت ضحية الصمت والسكوت عن الحديث في المحظورات، ومعالجتها في إطار قانوني مؤسسي.

بصراحة، من الأسلم لنا كإعلاميين تجنب الخوض في مثل هذه القضايا. ومن الأفضل، كما يتهمنا البعض، عدم نشر “الغسيل الوسخ”، والاكتفاء بالتغطية السطحية لبعض القضايا التي تبقى غريبة على مجتمعنا ومرفوضة، لكنها تظل أيضاً موجودة، شاء الإعلام ذلك أم أبى؛ إذ لا يعني السكوت عنها، وكما يعرف الجميع، تبخرها، ناهيك عن إيجاد حلول لها.

لكن إذا كان القفز عن هذه القضايا مريح، ويعفينا سلفاً، كإعلاميين، من تهم الترويج أو التشهير الباطلة أصلاً؛ إلا أن في هذا، من زاوية أخرى، تخلياً عن الدور الحقيقي للإعلام، والمتمثل أساساً في تسليط الضوء على الاختلالات الحاصلة، التي بات استمرارها وتجذرها ينعكسان بتطوير فنون غير مألوفة في الجرائم، لاسيما مع ضعف التشريعات ذات العلاقة، والتي يفترض أن تقلل من فرص ارتكاب الجريمة وابتكار أساليب جديدة لها.

دور الإعلام في هذه القضايا “المثيرة للجدل” أخلاقي بقدر ما هو مهني، إذ يتحمل الإعلام مسؤولية التصدي لها وتشريحها، ومراجعة التشريعات التي تحكمها، وصولاً إلى تغليظ العقوبات المتضمنة فيها إن كانت متساهلة في هذا الجانب.

ويبقى أن الإصلاح الاجتماعي، بعلاج الاختلالات والتشوهات الكبيرة في هذا المجال، يرتقي لأهمية الإصلاح السياسي والاقتصادي. وأهمية الإصلاح الاجتماعي، ودور الإعلام الحاسم في تحقيقه، مبعثها التبعات الخطيرة والكبيرة لسلوك الصمت والتواطؤ، والذي يفضي حتماً إلى تفاقم هذه الاختلالات والتشوهات إلى درجة انفجارها لاحقاً.

التهم جاهزة للإعلام، وتبدأ من السعي إلى التشويق والإثارة، ولا تنتهي عند مزاعم الترويج للأفكار الشاذة. وهذا بعيد عن الحقيقة تماماً؛ فواجب الصحافة، والإعلام عموماً، التعامل مع المشاكل الاجتماعية باعتبار ذلك الشرط الأول لمعالجتها، وهو ما يمثل بدوره الأساس لكل إصلاح آخر، إذ لا ترتقي الشعوب إلا ضمن منظومة اجتماعية صحية، يُبنى عليها إصلاح سياسي واجتماعي سليمان. وبهذا يكون من نافلة القول أن الحديث هنا هو عن دور الإعلام المهني المسؤول، وليس الدفاع عن “إعلام الإثارة” الذي لا يبالي بالتبعات الخطيرة لممارساته، على الصعد كافة.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.