صحيفة الكترونية اردنية شاملة

عيد الأضحى والزمن الرديء

0

يأتي عيد الأضحى المبارك على الأمة العربية والإسلامية وهي في أشد حالاتها سوءاً، من حيث الشرذمة والفرقة والتنازع، ومن حيث العجز عن تحقيق التقدم والنهوض العلمي والاقتصادي، ومن حيث التقاعس عن حمل رسالتها الخالدة، وتفهم قيمتها الحضارية السامية، وقد أصبحت الساحات العربية مسرحاً لصراع الأقوياء وعبث الضعفاء ولعب الجهلاء.

يأتي العيد ليؤذن في الجموع التائهة، والجماهير الحيرى لتذكرهم بهتاف التكبير الخالد، ويجمعهم على كلمة الله أكبر، ويرسل رسالة واضحة وجلية إلى الفرد والأسرة والحجيج والمجتمع والدولة والأمة، فالرسالة للفرد بأن يعمد إلى ذاته ودواخل نفسه ومكنونات قلبه، ليعيد الحساب، ويبدأ منذ اللحظة بإصلاح الخلل الذي تسلل إلى إيمانه، وإصلاح العطب القابع في فؤاده، بهمة وجرأة بالاعتراف بالخطأ، ومقاومة عوامل التعرية التي تجتاح روابط الأخوة، وتوهن التمسك بحبل الله المتين وتضعف قبضة اليد المستمسكة بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ولا يتم ذلك إلّا من خلال بوابة إصلاح العلاقة مع الله، ومن ثم الدخول إلى ذلك العالم الفسيح الرحب الذي لا يضيق إلّا على من ضاقت عليه نفسه وبخل عليه قلبه وعقله.

الرسالة الثانية للأسرة الصغيرة والممتدة، لتعيد أسباب اللحمة وتقاوم وساوس الشقاق والنزاع، وتصلح وشائج القربى والنسب وأن تعمد إلى إصلاح اللبنة الاساسية الاولى والأكثر أهمية في البناء المجتمعي الكبير، من خلال صيانة منظومة القيم، التي لا يجوز التساهل أو التهاون في عملية غرسها في نفوس الصغار، ليتعلم الصدق والأمانة ويتربى على احترام الكبير، ويتمثل معاني التسامح وتقبل الآخر، والابتعاد عن كل معاني الاعتداء والإيذاء لأبناء الجوار والحي، وأن يتعلم حب الأوطان ومعاني التضحية والفداء، وحفظ المال العام، وصيانة المرافق العامة، وإعلاء شأن الحق العام والمصلحة العامة، التي يجب أن يتم تقديمها على المصلحة الخاصة من اجل نزع خلق الأنانية المقيتة التي تودي بإنسانية الإنسان وتودي بالأسرة والمجتمع.

أما رسالة العيد إلى الحجيج، فتتمثل بضرورة أن يعتزم هؤلاء الذين هوت افئدتهم لبيت الله الحرام على ضرورة اتمام مشاعر الحج واستشعار مقاصد هذه العبادة العظيمة التي تقوم على معنى التطهر الكامل من الذنب، والانخلاع من المعاصي، ورجم الشيطان وأفعاله والتخلص من وساوسه، والتجرد من كل أخلاق الجاهلية، وإعادة السربلة بأردية التقوى ولباس الخوف من الله والخشية من عذابه، وضرورة العزم على العودة إلى مجتمعاتهم وهم يحملون مشاعل الهداية، من أجل إضاءة الصدور المعتمة والنفوس القاتمة.

ورسالة العيد إلى المجتمع بضرورة إعادة ترميم قيم الحق العام، وصيانة الروابط بين فئات المجتمع وشرائحه، وإعادة الأعراف الجماعية الجميلة التي تعيد آفاق التعاون بين أفراد الحي، وبين العائلات والطوائف والأقليات، وإعادة التركيز على الزيارات المتبادلة، وإطلاق العنان للمبادرات الخيرة التي ترفع وتيرة التطوع لدى الشباب في خدمة أحيائهم ومدنهم وقراهم، ومدارسهم، وإحياء روابط الأخوة بين أصحاب الديانات، ومقاومة مظاهر التطرف والتعصب، والتفكير الجاد في البحث عن وسائل توحيد المجتمع وتقوية النسيج الوطني الواحد.

أما الدولة فإنها تتحمل مسؤولية قيادة المركب، من خلال توجيه كل الوزارات والمؤسسات الى ضرورة تبني فلسفة الوحدة والمشاركة، والشروع في إعادة بناء المناهج التربوية الحديثة القادرة على تلبية حاجات الشباب والأجيال، والقادرة على صناعة الجيل الصالح القادر على حمل عقلية الابداع والابتكار، ومن ثم جمع جهود المجتمع كله في محصلة واحدة تحقيق هدف النهوض الجمعي، ورسالة العيد إلى القوى السياسية جميعها وعلى رأسها الحركات الإسلامية لتعيد المراجعة لخطابها وسياساتها واستراتيجياتها، من أجل تجاوز الوقوع في مصائد المغفلين، ومن أجل الإسهام في حل مشاكل مجتمعاتهم من خلال توسيع أطر التعاون مع المخلصين الأكفياء على طريق حماية أوطانهم وشعوبهم، وأن يقدموا فهماً صحيحاً للإسلام وأن يحسنوا تقديم الإسلام إلى العالم، بصورة زاهية مشرقة تطفح ببشر العيد، وسعادته، وامتلاك القدرة على التمسك بقيم الإسلام النبيلة السامية.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.