صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العيد والسلام المؤسس للتقدم

0

تُظهر الأحداث الجارية، بوضوح، أن أكثر ما يهدد حياة الناس هو العجز عن التماسك الاجتماعي الكافي لتنظيم حياتهم. فهذه الصراعات العرقية والدينية والطائفية التي تدمر حياة الناس باسم الدين، تؤشر بالتأكيد على عجز المتدينين عن تحقيق أهداف الدين وفكرته الجوهرية في السلام والتماسك والتضامن المنشئة للتقدم، أو على الأقل ما يقلل التهديد والمخاطر على حياة الناس وممتلكاتهم.

كيف يكون العيد رمزا للسلام والتضامن بين الناس، ويكون المتدينون هم الذين يفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل؟ كيف، ولماذا يزيد العنف والتوتر والتعاسة والسلوك غير الاجتماعي في الوقت الذي يزيد فيه التدين؟ لماذا لا يؤدي التدين في بلادنا إلى السلام؟ ولماذا لا يكون التدين عاملا في زيادة التماسك الاجتماعي، المفترض أنه هدف واضح ومباشر للدين؟

الناس أغلبهم اليوم في الشرق العربي يرون الخطر والتهديد عليهم مصدره الجماعات الدينية المتطرفة. ولم يعد إلا قليل منهم يرون الخطر والتهديد في إسرائيل. وحين تنظر إلى الكوارث القائمة اليوم؛ من تهجير وقتل وتعطيل للمدارس والأعمال والخدمات، تجد ببساطة أن مردها إلى عجز الناس عن تنظيم أنفسهم بالحد الذي يحمي مؤسساتهم وخدماتهم ويحسن حياتهم؛ فهذه الكراهية العميقة لم تعد مجرد مشاعر دينية وعرقية معزولة، ولكنها تحولت إلى كارثة تدمر كل شيء.

ثمة أسطورة مشرقية عن وحش كان يفرض على الناس أن يقدموا له أدمغة الأطفال ليأكلها. وكان الناس يذبحون صاغرين أولادهم ليقدموا أدمغتهم للوحش. وفي اليوم المخصص لأحدهم ليقدم طفله قربانا للوحش، فكر قليلا ووجد أن الحياة لا تستحق البقاء بعد قتل طفله على يديه، فقرر أن يذبح خروفا ويقدم دماغه للوحش بدلا من الطفل. وهو على أي حال لن يخسر شيئا طالما أنه لم يعد راغبا في الحياة بعد ذبح ابنه. وكانت المفاجأة الهائلة أن الوحش التهم دماغ الخروف من دون أن يلاحظ الفرق. وصار الناس يقدمون للوحش خرافا بدلا من الأطفال. والحكمة في ذلك ببساطة أن مصدر الانهيار والتعاسة والدمار في داخلنا؛ نحن نصنع أوهاما أو نتصورها، وننشئ حول ذلك مؤسسات وعلاقات من دون تدبر أو مراجعة.

فلا تغير صحة كل ما يقال عن التهديد والهيمنة والتدخل الخارجي، من حقيقة واضحة وبسيطة، هي أن الجماعات الإرهابية تتغذى على تأييد فكري وديني واجتماعي. وبغير ذلك لن تنجح كل محاولات الهيمنة والتفرقة ونشر الحروب والصراعات بين الناس.. كيف ينشئ التدين هذه الكراهية ولا ينشئ السلام؟

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.