صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من أين جاء هذا ‘الفقه الدموي’؟

0

في مقال له قبل أيام، يعرّف الكاتب الصحفي الأميركي المشهور، ديفيد إغناتيوس (من “واشنطن بوست”)، الرأي العام الغربي بكتاب “إدارة التوحش” (لأبي بكر ناجي)؛ ويصفه بأنّه “دليل العمل المرعب الذي يلهم (تنظيم) الدولة الإسلامية”!

ربما هو توصيف صحيح. وقد أشرنا إلى هذا الكتاب المهم والخطر منذ أعوام. لكنّه ليس الكتاب الوحيد أو الأكثر أهمية في تفسير عمل “الدولة الإسلامية”، ولا في “فكّ شيفرة” الأيديولوجيا الصلبة التي تشكّل المرجع الرئيس والمعتمد فقهياً لدى التنظيم.

الكتاب المقصود هنا هو كتاب “مسائل في فقه الجهاد”، لأبي عبدالله المهاجر؛ واسمه الحقيقي عبدالرحمن العلي، مصري الجنسية، والذي تلقى العلوم الشرعية في باكستان، ووصل إلى الدراسات العليا، وشارك في القتال الأفغاني الأول. لكن الأهم من هذا وذاك، أنّه أصبح بمثابة “المرجعية الفقهية” لأبي مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم “الدولة الإسلامية”، والأب الروحي له.

يحتوي كتاب المهاجر على عشرين مسألة من مسائل الدماء والقتل. وقد سمّاه بعض المراقبين “فقه الدماء”، بدلاً من “فقه الجهاد”. وخلاصة الكتاب مرعبة ورهيبة؛ فهو يبدأ من تعريف “دار الحرب” بأنّها الدار التي تعلو فيها أحكام الكفر، والمقصود هنا عدم تطبيق الشريعة الإسلامية (بالصورة التي يفهمها هذا التيار). وهي “دار” لها أحكامها الخاصة؛ حيث يقسم من يقيمون فيها بين مسلمين ومرتدين وأهل ذمة ومشركين، ولكل أحكامه. ثم ينزع المؤلف العصمة في الدماء والأموال عن غير المسلمين في هذه الدار؛ فكل من ليس مسلماً حقيقياً موالياً، فهو إما مرتد أو كافر. ويرفض منحهم الأمان إلاّ بعهد من “الدولة الإسلامية”. وعند ذلك، فالجميع من دون من يؤمن بهذا الخطاب، يقع في دائرة استباحة الدم والمال وغير ذلك من قتل وأسر واغتيال.. إلخ.

خطورة الكتاب تتجاوز ذلك إلى الوصول إلى نتائج فقهية مرعبة؛ مثل اعتبار كل كافر أنّه حربي. وبالرغم من عدم استحلال دماء وأموال النساء والأطفال الكفّار، إلاّ أنّ الكتاب يضع قيوداً متعددة تجعل ذلك ممكناً. كما أنّ الكتاب لا يميز بين مدني وعسكري؛ فالإسلام، كما يقول الكاتب “لا يفرّق بين مدني وعسكري، بل بين مسلم وكافر، فالمسلم معصوم الدم أيا كان عمله ومحله، والكافر مباح الدم أيا كان عمله ومحله”!

لو قلبتم الكتاب من أوله إلى آخره، فستجدون رائحة الدماء تفوح منه. ولن يغلب أي واحد من التيار في أن يجد مسوّغاً لأي عمل يقوم به، سواء اغتصاب أو قتل أو ذبح أو تمثيل بالقتلى، وحتى استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، مثل أسلحة الدمار الشامل، والتفجيرات التي تؤدي إلى قتل أطفال ومدنيين، وقتل من يُشكّ في أنّه جاسوس من المسلمين، إلى غير ذلك من أحكام وفتاوى مرعبة، تفسّر لنا إلى درجة كبيرة المرجعية الفقهية والعقائدية لدى هذا التنظيم.

أكثر ما يزعج ويقلق في هذا الكتاب، هو أنّه يستند في كل أحكامه إلى “مدونة الفقه الإسلامي”. وأعلم تماماً أنّ هذا الكلام سيزعج السادة العلماء والفقهاء الأفاضل، وسيؤكدون بأنّها قراءة مبتورة وملتوية لهذه المدونة. لكن، مع احترامي الشديد لهم، لا يخرج هذا الكتاب عن الفهم المألوف لكثير من أحكام القتال في الفقه الإسلامي. وهو ما ندين به الموروث الفقهي، الذي تعامل مع واقع مختلف تماماً، لكن هذه المدونة كانت بحاجة إلى تطوير جذري وكبير كي لا يتم استخدامها على النحو الذي نراه!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.