صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هل نملك أيديولوجيا أردنية؟

0

تشتمل هذه الورقة التي أتقدم بها للنقاش العام، على ثلاثة أقسام، أولها التعريف بمبادئ الدولة الوطنية الأردنية وعمقها التاريخي، وثانيها ربط هذه المبادئ بمشروع الإصلاح السياسي الذي يتبناه جلالة الملك عبد الله الثاني ـ وقد تم تلخيصه ووضعه في سياقه الفكري السياسي المحكم ـ وثالثها، ملاحظات ختامية.
مبادئ الدولة الأردنية وقيمها:
المبادئ، اصطلاحا، هي الفكرة الكلية الأساسية الذي تبنى عليه الأفكار الأخرى؛ أي أنها عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام مبادئ؛ كمبادئ الاقتصاد ومبادئ القانون ومبادئ الحكم الخ. والمبادئ لا تتغير بحكم الزمن أو الحاجات، وإنما تنبثق عنها أفكار ومفاهيم وممارسات جديدة. ومن المبادئ التي تقوم عليها فلسفة الدولة الأردنية، المستمدة من مبادئ الثورة العربية الكبرى؛ فهي الإيمان، والعدل، والحرية، والمساواة، والصدق، والنزاهة، والولاء للكُل الاجتماعي الوطني، والانسانية.
أما القيم، فهي عبارة عن تصورات توضيحية لتوجيه السلوك في إطار المبادئ. وانطلاقا من مبادئ الدولة الأردنية، فإن قيمها المستنبطة من مبادئها كالتالي: الوسطية، والتسامح، وحرية الرأي، واحترام الرأي الآخر، والديموقراطية، واحترام حقوق الانسان، والعدالة الاجتماعية، والمساءلة، والشفافية، والمسؤولية إزاء المجتمع والوطن.
وإذا كان أردننا يتميز بشيء مكّنه من الصمود أمام العواصف، والنماء، رغم الصعوبات، فهو تمسك الأردنيين بمبادئ دولتهم الوطنية وقيمها. وفي ثنايا هذا البحث المقبل، سنرى كيف تجذرت هذه المبادئ والقيم في الوطنية الأردنية من خلال واقع ارتباطها بالثورة العربية الكبرى ونهضة العرب والقيادة الهاشمية.
الملك عبدالله الثاني.. محاورا
أسلوب التدخل الفكري السياسي لزعماء الدول من خلال مقالات، معروف، تقليديا، في البلدان المتقدمة، على اختلاف أنظمتها السياسية، ولكنه جديد بالنسبة لملك، كما أنه جديد بالنسبة للأردن. المقال هو، في النهاية، عرضٌ لقضية وتعبير عن رأي فيها، مطروح للنقاش، واستخدامه من قبل الملك عبدالله الثاني، ينسجم مع رؤيته للمَلكية بوصفها « طرفا في المعادلة السياسية» لا المعادلة السياسية كلها؛ صحيح أن الملكية تبقى الضامن لتلك المعادلة، وهذا متفقٌ عليه بين الأردنيين، إلا أنها لا تحتكر السياسة، وتشارك، في الحوار السياسي، من خلال أوراق للنقاش.
في 29 كانون الأول 2012، وعشيّة إجراء الانتخابات النيابية، فاجأ جلالة الملك عبدالله الثاني، الأردنيين، بدخوله حلبة الجدل السياسي الوطني من خلال ورقة نقاشية بعنوان « مسيرتنا نحو بناء الديموقراطية المتجددة». وكانت هذه الورقة الأولى في سلسلة أوراق نقاشية صدرت لاحقا، هي: « تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين» في 16 كانون الثاني 2013، و»أدوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة» في 2 آذار 2013، و « نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة» في 2 حزيران 2013، وأخيرا « تعميق التحول الديمقراطي: الأهداف، والمنجزات، والأعراف السياسية» في 13 أيلول 2014. وبصدور هذه الورقة، تكون الرؤية الملكية للإصلاح السياسي، قد اكتملت؛ إذ ستركز الأوراق اللاحقة على البعدين الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا، أصبح بإمكاننا، اليوم، أن نراجع تلك الأوراق، لاستخلاص مشروع الملك عبدالله الثاني في الإصلاح السياسي. وبالتدقيق، يُفاجأ القارئ بأن هذه الأوراق تقدم كل عناصر ذلك المشروع على المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية والإجرائية، وفق رؤية ديموقراطية حديثة، ولكنها تظل ملتزمة بالثوابت الوطنية التاريخية، والضوابط الدستورية، والضرورات والاحتياجات المحلية لتطوير أنموذج ديموقراطي أردني منفرد.
في العرض التالي، سنقرأ المشروع الملكي للإصلاح السياسي، من منظار تلك الالتزامات، ونحاول الربط بينها وبين الأفكار والمقترحات التي تمثّل مضمون ذلك المشروع.
شرعية الدولة الوطنية الأردنية
تعتمد شرعية الدولة الأردنية على مكونات تاريخية وقيمية أساسية؛ فالدولة الوطنية في بلدنا، هي الامتداد التاريخي للمملكة العربية الهاشمية التي أعلنها المؤتمر السوري العام، 1920، الذي ضم ممثلين منتخبين عن سورية ولبنان وفلسطين والأردن. ونشوء هذه المملكة ، كما هو معروف، كان يمثّل انجازا أساسيا من انجازات الثورة العربية الكبرى، ضد الاستعمار العثماني، تلك التي لم تهدف، فقط، إلى تحقيق استقلال العرب ووحدتهم، ولكنها قامت، أيضا، لتحقيق طموحات العرب الإصلاحية، المتساوقة مع قيم الحداثة والديموقراطية والتنمية في القرن العشرين، في إطار قيم العروبة والإسلام الأصيل.
ومن هنا، كانت الثورة العربية الكبرى، تشكل تحالفا بين النخب العربية الاستقلالية ذات النزعات الحداثية في بلاد الشام والعراق، تحت قيادة شريف عربي ينتمي إلى آل البيت، ويمثّل شجرة العروبة والإسلام، هو شريف مكة وملك العرب، الشريف حسين بن علي. وبذلك، تكون هذه الثورة نموذجا لاتحاد الأصالة والمعاصرة في حركة تاريخية واحدة.
هذه الحركة التاريخية، بعروبتها وقيمها الأصيلة وإسلامها الصحيح ونهجها الإصلاحي ونزعتها الحداثية وقيادتها الهاشمية، ورثتها الدولة الوطنية الأردنية؛ فلقد أوقعت مؤامرة سايكس ـ بيكو، سورية ولبنان في قبضة الاستعمار الفرنسي، بينما سلخ الانجليز، فلسطين، لتنفيذ وعد بلفور، وبقي الأردن والأردنيون في الميدان، فقرروا، في مؤتمر السلط ( 12 آب 1920) ومؤتمر أم قيس ( 2 أيلول 1920) ، تأسيس دولة عربية أردنية مستقلة، ترفع علم المملكة العربية الهاشمية في بلاد الشام، ذا النجمة ( علم الأردن الحالي)، وجددوا إيمانهم بقيم الثورة العربية الكبرى الاستقلالية والاصلاحية، ونادوا بأمير عربي، كان هو الأمير ( الملك المؤسس) عبدالله الأول، نجل الشريف حسين.
تأسست الدولة الأردنية، إذاً، على شرعيات متداخلة من إرادة الأردنيين، وقيم الثورة العربية الكبرى، والقيادة الهاشمية. ومنذ تأسيسها، العام 1921، صمدت الدولة الأردنية، أمام كل التحديات المتلاحقة، مستندةً إلى الترابط الوثيق بين هذه الشرعيات المؤسِّسة لماهيّة الدستور الأردني القائم على أساسيات الاستقلال والسيادة والعروبة والإسلام ومرجعيّة سلطة الشعب ونظام الحكم النيابي الملكي الوراثي الهاشمي.
وكان ذلك كله في خلفيّة المقاربات التي واجه بها جلالة الملك عبدالله الثاني، التحديات الكبرى الناشئة في مطلع عهده، وما تزال؛ ومنها تحدي استعادة صورة الإسلام الأصيل الحضاري في مواجهة موجات عارمة من التطرف الديني، وتحدي مواصلة الإصلاح السياسي في عالم يسارع الخطى نحو نماذج عديدة من الديموقراطية، بالإضافة إلى التحدي المرتبط بالتحديث الاقتصادي.
الملك عبدالله الثاني؛ تحديات الإصلاح
التحدي الأول؛ الدفاع عن حقيقة الإسلام الحقيقي
منذ تولى الملك عبدالله الثاني، العرش، أصبحت قضية الدفاع عن الإسلام الحقيقي في مواجهة التشويهات والانحرافات، قضية رئيسية في فكر الملك ونشاطه. وهذه القضية، عنده، عدا عن كونها قضية دينية وقومية وأردنية، هي قضية شخصيّة؛ فالملك عبدالله الثاني هو الحفيد الثالث والأربعون للرسول العربي، محمد (ص). وهذه الحقيقة التي تمنحه الشرف، ترتّب عليه، أيضا، المسؤولية إزاء الإسلام. وكهاشمي من أحفاد آل البيت الأطهار، الذين هم فوق المذاهب والفرق، وقف الملك عبدالله الثاني، وقفة جريئة مبكرة تستدرك ما شهده ويشهده العالم العربي والاسلامي من سيطرة النزعات المذهبية والتكفيرية التي أسالت، وما تزال، الكثير من الدماء؛ ففي أواخر العام 2004، خاطب الملك، علماء الإسلام من كل المذاهب، بمن فيهم شيخ الأزهر ومرجعية النجف الأشرف، يستفتيهم في ثلاث مسائل رئيسية هي:
مَن هو المسلم؟
وهل يجوز التكفير؟
ومن له الحق في التصدي للإفتاء؟
ولدى ورود الفتاوى، دعا الملك ، في تموز 2005، إلى عقد «المؤتمر الإسلامي الدولي» الذي شارك فيه مائتان من العلماء المسلمين البارزين من خمسين بلداً. وفي عمّان، أصدر العلماء بالإجماع توافقهم على ثلاث قضايا رئيسية غدت تعرف فيما بعد كــ «محاور رسالة عمّان الثلاثة»، وهي:
أولا، تحريم التكفير المذهبي، ذلك « أن كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى فضيلة شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح (.) كما لا يجـــوز تكفير أيّ فئة أخــرى مـن المسلمين تؤمــن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة».
ثانيا، تعريف الإسلام تعريفا بسيطا واضحا محكما يتمثل بالالتزام بأركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه، وأركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت».
ثالثا، وقف فوضى الإفتاء،» فلا يجوز لأحد أن يتصدّى للإفتاء من دون مؤهّلات شخصية معينة يحددها كل مذهب، ولا يجوز الإفتاء من دون التقيّد بمنهجية المذاهب، ولا يجوز لأحد أن يدّعي الاجتهاد ويستحدث مذهباً جديداً أو يقدّم فتاوى مرفوضة تخرج المسلمين عن قواعد الشريعة وثوابتها وما استقرَّ من مذاهبها».
وتشكل هذه المبادئ ، المُجمَع عليها من علماء الأمة ومراجعها المعتمدين، جوهر الرؤية الاسلامية الهاشمية؛ فلا تكفير لمسلم، ولا تعريف لمسلم يتعدى أركان الإيمان والإسلام، ولا إفتاء من دون مؤهلات وقيود شرعية. وهذه القواعد تحرر العالم العربي والإسلامي من الاحتراب المذهبي، والنزعات التكفيرية وما يستتبعها من استباحة الدم والإرهاب.
وفي ظل إسلام صافٍ أصيل موحّد، تنتهي، أيضا، كل المشاكل المرتبطة بالمكونات الدينية الأخرى في العالم العربي والإسلامي؛ إذ يمثل الاعتراف بها ركنا من أركان الإيمان بالنسبة إلى المسلم، ويمثل الحوار معها، واجبا من واجباته، بينما تجمعه مع المؤمنين بها، رابطة القومية والمواطنة والإنسانية.
وبهذا النهج الإسلامي الهاشمي الذي يمثل حقيقة الإسلام وجوهر رؤيته في الوسطية والاعتدال والتسامح والمدنية، أولى الملك عبدالله الثاني، اهتماما كبيرا بالحوار بين الأديان، وبالمشكلات التي تواجه المسيحية العربية، ودور المسيحيين العرب في الدفاع عن الصورة الصحيحة للإسلام كما عايشوه، إخوة ومواطنين، وذلك في أكثر من مؤتمر مؤتمر محلي وعربي ودولي انعقدت في العام بقيادة جلالة الملك.
إن وحدة الإسلام الأصيل الصافي الذي توارثت العائلة الهاشمية أسسه وقيمه الإنسانية والمتعالية على المذاهب والتعصب الديني، والقائمة على التسامح وسعة الأفق ووحدة الأمة، هي ضمانة أساسية لكل أبناء الأديان الأخرى التي عاشت في أحضان الإسلام، وتفاعلت معه، في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية. وكل هذه التقاليد متجذرة في عقول وقلوب الهاشميين، وعميدهم جلالة الملك عبدالله الثاني.
التحدي الثاني، الإصلاح السياسي
أولا، الحوار كمنطلق، لماذا؟
يرتبط التحدي السابق، تحدي الدفاع عن الإسلام الحقيقي، ارتباطا جوهريا بالتحدي الثاني، التحدي الديموقراطي؛ فمن دون الاستئصال الفكري للاتجاهات المذهبية والطائفية والتكفيرية، وما يتبعها من رفض للحوار والسياسة والدولة الحديثة، وما تستعمله من أدوات الإرهاب الفكري والدموي، لا يمكن الحديث، بالأساس، عن الإصلاح السياسي الذي يشترط الإيمان بالدولة الوطنية والدستور والمواطنة والمشاركة ونبذ العنف؛ لذلك، اعتبرت رسالة عمان، والجهود الأخرى التي بذلها الملك عبدالله الثاني، في مجال تحديد الإطار الفكري والشرعي للإسلام الأصيل المعاصر، مقدمة أساسية لمشروعه في الإصلاح السياسي.
صدرت الورقة النقاشية الأولى في أجواء الحملات الانتخابية النيابية لعام 2013، وبدت وكأنها مرتبطة بالدفع نحو تعميق المحتوى السياسي لتلك الانتخابات التي علّق عليها الملك عبدالله الثاني، آمالا تحققت جزئيا كما سنرى، لكن جوهر الورقة ينطلق من فكرة منهجية تأسيسية لكل المشروع الإصلاحي، وتتلخّص بكلمة واحدة: «الحوار»!
«إن مسؤوليتي هي تشجيع الحوار»، قالها الملك عبدالله الثاني في مستهلّ رسائله. وهي مقدمة لكل ما يلي من نقاش على جميع الأصعدة؛ ففي البلدان التي لم تستقر بناها الاجتماعية الوطنية التنموية، وتتعارض اتجاهاتها ومصالحها الفئوية وميولها الثقافية، بين فئات تقليدية وأخرى حديثة، وما تزال تختزن أنماطا من العصبيات، يغدو الحوار، ضرورة للحياة والتقدم، لا مجرد قيمة ديموقراطية؛ فالخلافات ، هنا، ليست ذات طابع أيديولوجي صرف يمكن حسمه بصناديق الاقتراع، وإنما هي متشابكة معقدة، بحيث لا يمكن تجاوزها، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار واستمرار عملية البناء، من دون تنازلات متبادلة في إطار توافق وطني؛ يقول الملك: « لا يمكن لفئة بمفردها تحقيق جميع الأهداف التي تسعى إليها، بل يجب التوصل إلى تفاهمات تتبنى حلولا وسطا وتحقق مصالح الأردنيين جميعا.» وهذا ، في الواقع ، ليس اقتراحا، وإنما هو تعبير عن رؤية فلسفية اجتماعية متكاملة متطابقة مع مستوى التطور التاريخي الاجتماعي لبلادنا؛ لسنا في الولايات المتحدة، بحيث يمكن أن يتغلب الجمهوريون على الديموقراطيين أو بالعكس، من دون أن يجري المساس بثوابت الدولة والسياسة والمؤسسات، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى صدامات سياسية أو عنفية؛ بل نحن في بلد من العالم الثالث، لم يستكمل، بعد، هيكله الوطني الاجتماعي المؤسسي، مما يجعل تغلّب فريق على آخر وصفة هدّامة؛ والبديل هو الحوار، ليس للحوار نفسه، وإنما من أجل توافق التنازلات المتبادلة التي تعكس ، في النهاية، مصالح الأفرقاء، والتي تشكل، بمجملها، المصالح الوطنية العليا للبلاد.
هذا الطريق ليس سهلا؛ وإنما هو يرتبط بالآتي:
أولا، « المبادرة البنّاءة وقبول التنوّع والاختلاف في الرأي»
ثانيا، الايمان العميق بأنه « لا يوجد طريق مختصر، إنه طريق يُبنى بالتراكم، ويحتاج بشكل أساسي إلى مراجعة»، تقوم على المعايير التالية:
1 ـ «احترام الرأي الآخر أساس الشراكة بين الجميع، على أساس المساواة، سواء أكان في العرق، أو الأصل، أو الدين»، 2 ـ «المواطنة لا تكتمل إلا بممارسة واجب المساءلة»؛ فهي، إذاً، عملية مستمرة تتناول كل شؤون الحياة، «التي تواجه أسركم، ومجتمعاتكم المحلية، والوطن بعمومه، وفي مقدمتها محاربة الفقر والبطالة، وتحسين خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمواصلات العامة، والحد من آثار الغلاء المعيشي، ومحاربة الفساد بأشكاله وأي إهدار للمال العام»، 3 ـ «.. فالمواطنون الواعون والمسؤولون هم الذين يتابعون وسائل الإعلام، مع الحرص على توخي الحقيقة والموضوعية، ويتفاعلون معها تعبيرا عن آرائهم، ويتواصلون مع ممثليهم في مجلس النواب والمجالس المحلية وقادة مجتمعاتهم ويسائلونهم ويتابعون أداءهم ومواقفهم، ويبادرون للتجمع وتنظيم أنفسهم على المستوى المحلي، ويتخذون موقفا موحدا، ويعملون من أجل معالجة قضاياهم المحلية»؛ وهنا، نتحدث عن الممارسة الديموقراطية من قواعد المجتمع، وليس كهياكل برلمانية وحكومية. 4 ، و» المهم، دائما، التوصل إلى حلول توافقية». وذلك، ببساطة، لأن الحلول المنفردة المفروضة، إما مستحيلة أو أنها تجلب صدامات.
ثانيا، الحقائق الجغرافية ـ السياسية التاريخية الثقافية التي تفرض نفسها:
يقول الملك: «إن هناك تباينات عدّة لكل من النماذج الديموقراطية؛ لكن الثابت هو أنه لا يوجد وصفة واحدة صحيحة بالمطلق تناسب جميع الدول؛ فالنظام السياسي لكل دولة يعكس بالمجمل التاريخ والثقافة الخاصة بها»، كما يعكس وضعها الجيوسياسي الخاص بها. وهو، فيما يتصل بالأردن بالغ التعقيد، بالنظر إلى ارتباطه العميق بالقضية الفلسطينية.»
يقتضي الوضع الخاص للأردن، عملية تحوّل ديموقراطي متدرجة، ولكن من دون تباطؤ؛ ولذلك تركز الورقة النقاشية الثانية على طريق الوصول إلى الحكومات البرلمانية، كإطار لا بد منه للانتقال نحو الديموقراطية الأردنية، ولكن ضمن محددات وشروط ، هي:
« 1: ظهور أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق. ولا شك أن هذه العملية تحتاج إلى وقت حتى تنضج. ومع وصول أحزاب سياسية تتنافس على مستوى وطني، ووفق برامج محلية تمتد لأربع سنوات إلى مجلس النواب، وحصولها على مزيد من المقاعد، وتشكيلها لكتل نيابية ذات قواعد صلبة، سيكون هناك قدرة أكبر على إشراك نواب كوزراء في الحكومة»
«2: سيكون على الجهاز الحكومي تطوير عمله على أسس من المهنية والحياد، بعيدا عن تسييس العمل الحكومي الإداري، لمساندة وإرشاد وزراء الحكومات البرلمانية»، المرجح ألا يكونوا تقنيين بيل سياسيين.
«3: تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يعزز نهج الحكومات البرلمانية».
ثالثا، الأدوار:
بعدما أسس جلالة الملك عبدالله الثاني، للمنطلق التاريخي الاجتماعي السياسي لمجمل الديموقراطية الأردنية، ببنائها على الحوار كضرورة للتوافق الوطني، وبيّن الطريق المتدرّج للانتقال نحو حكومات برلمانية في ظل ظروف الأردن الخاصة، خصص الورقة النقاشية الثالثة لتحديد أدوار المعادلة السياسية:
1 ـ لا ديموقراطية من دون أحزاب وطنية برامجية ذات قواعد اجتماعية شعبية
بقيت السياسية الشعبية الأردنية، حتى الآن، تعتمد على مبادرات شخصيات وتجمعات سياسية. وهي بذلت في هذا المجال جهدا مشكورا؛ لكن الانتقال إلى الديموقراطية، يتطلب قيام عدد معقول من الأحزاب السياسية الوطنية البرامجية تعكس تيارات عريضة، وتعبر عن مصالح واتجاهات اجتماعية ممتدة على المستوى الوطني. ولعل وجود هذه الأحزاب في البرلمان هو الطريقة الوحيد لبناء أطر عقلانية للحوار والتوصل إلى التوافقات النيابية السياسية الوطنية.
ويدرك جلالة الملك، بوضوح، أن التوصل إلى مثل هذه الأحزاب، ليس أمرا سهلا، ولا يحدث بين ليلة وضحاها، خصوصا مع تعقيد البنى الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والشخصية الخ لكنها مطروحة لا بد منها، ولا بد من انجازها للتحول الديموقراطي؛ ولكنه، مع ذلك، يلح على مطالبة الأحزاب الأردنية، «الاستمرار في تطوير نظمها الداخلية بحيث تتطور إلى أحزاب برامجية ذات كفاءة وتأثير وحضور على مستوى الوطن، قادرة على الفوز بأغلبية أصوات الناخبين، وأن تولي جلّ عنايتها أيضاً لتأهيل قيادات كفؤة وقادرة على تولي المناصب الحكومية، وصولا إلى تطبيق متقدم للحكومات البرلمانية. وبالتوازي مع ذلك، فيجب أن تستمر جهود تعزيز وتطوير أداء وعمل الكتل النيابية في مجلس النواب لأنها تشكل حافزاً هاماً لتطوير أحزاب برامجية ذات حضور وطني».
ويقترح جلالة الملك، لنجاح الأحزاب الأردنية في ما هو مطلوب منها، القيام بعمليات « الاندماج وصولاً إلى عدد منطقي من الأحزاب الرئيسية الممتدة على مستوى الوطن، والتي تمثل مختلف آراء الطيف السياسي وتتبنى برامج حزبية واضحة وشاملة».
2 ـ مجلس النواب، عماد النظام الديموقراطي:
إذا كان دور مجلس النواب، معرَّفا في الدستور الأردني، كهيئة تشريع ومراقبة ومساءلة للأداء والقرارات الحكومية؛ فإن للنائب الملتزم بعملية التطوير الديموقراطي، مواصفات حددها جلالة الملك، من خلال قراءته للتجربة النيابية في عهده، كالتالي:
أولا ـ «أن يكون هدف النائب خدمة الصالح العام. وهذه مسؤولية لا يمكن المساومة عليها. أما أولئك الذين يعملون من أجل تحقيق مصالح شخصية أو فئوية، أو لاعتبارات شعبوية» ( أي الحصول على الشعبية المؤقتة الزائفة بأي ثمن)، فهم يخونون الثقة الممنوحة لهم كنواب / قادة. وعلى مستوى آخر، موضوعي، من التعارضات التي تبرز، أحيانا، « بين المصالح على المستوي المحلي وعلى المستوى الوطني»، فالنائب الأكثر حصافة هو ذلك الذي يوازن بين تلك التعارضات.
ثانياـ تحرير العلاقة بين النائب والحكومة من الابتزاز الشخصي أو المصلحي. وهذا يعود لالتزام الطرفين.
ثالثا ـ تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب، بما يساعده على الانجاز المضبوط. وقد تم انجاز هذا المتطلب.
رابعا ـ تنظيم جلسات الأسئلة والاستجواب فيما بين مجلس الأمة والوزراء، بأسلوب يراعي مبادئ الشفافية والمساءلة وحق الحكومة في ممارسة السلطة، دون التهديد بالتلويح بحجب الثقة أو التقدم بطلب استجواب من قبل أعضاء مجلس النواب لمجرد تعارض قرارات الحكومة مع مصالح فئوية وشخصية ضيقة، بالإضافة إلى تحديد أدوار مجلس الوزراء ومجلس الأمة والجهاز الحكومي خلال مراحل التغيير الحكومي، والتي تشمل: فترة التشاور لتكليف رئيس وزراء جديد، وفترة تسيير الأعمال لحين تشكيل الحكومة، والفترة الزمنية لحين منح مجلس النواب الثقة للحكومة بناء على أعضائها وبرنامج عملها لأربع سنوات.
3 ـ دور رئيس الوزراء ومجلس الوزراء:
يمارس جلالة الملك صلاحياته، وفقا للدستور الأردني، من خلال مجلس الوزراء. وهو ما يجعل هذه الهيئة بالغة الأهمية في مجمل النظام السياسي الأردني؛
أولا، يتوجب على الحكومة البرلمانية ليس فقط نيل الثقة، وإنما الحفاظ عليها من خلال الالتزام ببرامجها، والتعاون مع مجلس النواب، والحاكمية الرشيدة؛ فأداؤها، لا الدعم السياسي، هو الثابت الرئيسي في تسنمها مقاليد الحكم.
ثانيا، وبما أن مدة الحكومة البرلمانية هي أربع سنوات هي عمر المجلس النيابي، فإنه يترتب عليها واجب « تقديم وتنفيذ برنامج عمل شامل يهدف إلى تحقيق الازدهار وتوفير الأمن لجميع أبناء وبنات الوطن، لأربع سنوات كاملة، يتم محاسبتها في ضوئه، وعلى مدى تنفيذها لهذا البرنامج.»
ثالثا، رئيس الحكومة البرلمانية يتمتع بمنصب سياسي وإداري معا؛ ولذلك يُنتظَر أن تتوفر لديه المهارات والخصال اللازمة لدوره؛ «فبالإضافة إلى قدرته على قيادة فريق كفء من الوزراء، يعوّل عليه أيضاً في حشد كوادر وإمكانات الجهاز الحكومي لتنفيذ البرامج الحكومية بأسلوب فاعل، ووفق جدول زمني دقيق متاح لاطلاع الجمهور. وذلك، بالإضافة إلى تحمّل مسؤولية التواصل والتفاعل والحوار مع سائر الأطراف، وفي مقدمتهم مجلس الأمة»؛ يعني ذلك، «نيل الثقة النيابية والمحافظة عليها» و» وضع معايير للعمل الحكومي المتميز»، و» تبني نهج الشفافية والحاكمية الرشيدة وترجمته قولاً وعملاً، والمبادرة في التعامل والتواصل مجلس الوزراء، و مع مجلس النواب والمواطنين، والحرص على العمل الميداني».
4 ـ دور المَلكية الدستورية الهاشمية:
الملَكية الدستورية الهاشمية هي، أولا، خيار نابع من الآباء المؤسسين للأردن الحديث. وهي تمثل حاجة وطنية ضرورية لتقدم البلاد، ولا تمثّل سلطة مفروضة مطلقة ولا مجرد حالة رمزية؛ ففي الظروف الوطنية الأردنية، تلعب الملكية الأردنية الهاشمية، من دون المساس بالتطور الديموقراطي وبأدوار أطراف المعادلة السياسية الأخرى ـ تلك التي كرستها التعديلات الدستورية لعام 2011 و2014 ـ أدوارا وطنية رئيسية في حياة البلاد، اقترحها جلالة الملك بنفسه، كالتالي، بوصفها:
أولا، القيادة الموحِّدة التي تحافظ على دور الملك كقائد موحِّد يحمي المجتمع من الانزلاق نحو أي حالة استقطاب، كما يحمي القيم الأردنية الأصيلة.
ثانيا، وصوت الأردنيين والأردنيات جميعاً، خاصة الفقراء والمستضعفين منهم، المدافعة عن حقوقهم في المجتمع.
ثالثا، والحامي لمنظومتنا الوطنية للعدالة والنزاهة.
رابعا، والمدافع عن قضايا المملكة المصيرية المرتبطة بالسياسة الخارجية وأمنها القومي، وذلك من خلال مجلس الوزراء الذي يتولى إدارة جميع شؤون الدولة استنادا إلى الدستور.
خامسا، «الحامي للدستور الأردني، والفيصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتجاوز حالات الاستعصاء السياسي عند حدوثها».
5 ـ دور المواطنة الفاعلة :
كل البناء الفكري ـ السياسي الذي قدمه جلالة الملك في أوراقه النقاشية الثلاث السابقة، تعتمد، في النهاية، على محور العملية الوطنية السياسية، أي المواطن؛ ما يريده الملك هو مواطنة فاعلة؛ وعلى خلاف جميع زعماء الدول في العالم، فإنه يقوم، علنا، بدور تحريض المواطنين الأردنيين على الفعالية السياسية، والمشاركة، والتحزّب، والمبادرة السياسية، والنقد، والتعبير عن الأفكار الخ ومن المؤسف أن هذه الرسالة التحريضية التي تنم عن روح شابة تقدمية، لم تصل بعد إلى أغلبية المواطنين؛ يطالب جلالة الملك، كقائد سياسي تقدمي، المواطنين الأردنيين، بما يلي:
أولا، «الوعي والبحث المستمر عن الحقيقة الموضوعية»؛
ثانيا، «اقتراح الأفكار والحلول البديلة»؛
ثالثا، ممارسة المواطنة الفاعلة النقدية المقدامة؛ «فعندما يعجز الممثلون المنتخبون والحكومة عن الوفاء بالتزاماتهم، يترتب على المواطنين المتابعين للشأن العام والمنخرطين به، أن يمارسوا الضغط عليهم ومطالبتهم بالوفاء بها؛ وممارسة هذا الضغط تتم عبر تنظيم مجموعات عمل ولقاءات على مستوى المجتمعات المحلية، وعبر الفضاء الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي وقنوات أخرى».
بذلك، يكون جلالة الملك، قد اقترح على المواطنين ليس التدخل السياسي الكثيف في شؤون الدولة فقط، وإنما وسائل ذلك التدخل من خلا التعبير عن الرأي والتجمعات واللقاءات وممارسة الضغوط السياسية.
الربيع الأردني:
فيما سبق، ربما نكون قد حددنا الإطار العام لمبادئ الدولة الأردنية، وفلسفة الحكم النابعة من تقاليدها العريقة المستمدة من الثورة العربية الكبرى، ومسيرة الهاشميين، وعناصر مشروع الإصلاح السياسي لجلالة الملك عبد الله الثاني. وسننتقل الآن إلى ما تحقق من انجازات منذ2011.
يقول جلالة الملك: « لقد نجحنا في اطلاق ربيع أردني خاص بنا»؛ وعلى رغم المصاعب الاقتصادية الكبيرة التي اعترضت البلاد، واشتعال الإقليم كله بالحروب الأهلية والدمار، فإننا نستطيع القول، مع جلالته، نعم لدينا ربيعنا الذي ما يزال في بدايته الزاهرة.
أهم ثلاثة انجازات تأسيسية كبرى حققها الربيع الأردني، حتى الآن ، هي الآتية:
أولا، الحفاظ والاجماع على قيم الاعتدال، والتسامح، والانفتاح، والتعددية السياسية والثقافية والأيديولوجية والدينية، وإشراك جميع مكونات المجتمع، واحترام الآخرين والشعور بهم، واحترام سيادة القانون، وصون حقوق المواطن، وتأمين حرية كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس في القول والتنظيم والممارسة السياسية و الانتخابية.
ثانيا، الحفاظ على أمن البلاد وتماسك المجتمع ووضع أطر وطنية للحوار، حتى بين الاتجاهات الأيديولوجية المتصارعة بشدة على المستوى الإقليمي.
ثالثا، الحفاظ على دور متوازن في السياسة الخارجية رغم الاستقطابات الحادة.
الإنجازات التشريعية:
1 ـ إقرار تعديلات دستورية ترسخ منظومة الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات، وتعزٍّز الحريات، وتستحدث مؤسسات ديموقراطية جديدة. وحالياً، فإن مجلس الأمة على مشارف إنجاز جميع التشريعات الواجب تعديلها بما يضمن توافقها مع تلك التعديلات الدستورية.
2 ـ إنجاز حزمة جديدة من التشريعات الناظمة للحياة السياسية، والتي دخلت حيز النفاذ قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة. وقد شملت هذه الحزمة: قوانين الانتخاب، والأحزاب السياسية، والاجتماعات العامة، والتي تساهم بدورها في تعزيز أجواء العمل السياسي وتشكيل الأحزاب من مختلف ألوان الطيف السياسي.
3 ـ تطبيق قانون معدِّل لقانون محكمة أمن الدولة يحصر اختصاصها في جرائم الخيانة، والتجسس، والإرهاب، والمخدرات، وتزييف العملة، بما يكرّس المبدأ العام لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم المدنية فقط.
4 ـ التقدم النوعي الذي أحرزه مجلس النواب في تطوير نظامه الداخلي ليكون أكثر قدرة في تفعيل العمل النيابي.
الإنجازات المؤسسية:
1 ـ إنشاء محكمة دستورية تختص بتفسير نصوص الدستور، والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة بما يضمن احترام حقوق وحريات جميع المواطنين وفقاً للدستور.
2 ـ استحداث هيئة مستقلة للانتخاب نالت الاحترام والتقدير داخل الأردن وخارجه لدورها الرائد في إدارة الانتخابات النيابية وضمان نزاهة وشفافية الانتخابات النيابية والبلدية من خلال الإشراف عليهما، التي أجريت في غضون عام واحد، وهذه شهادة على الثقة وآفاق التجديد السياسي التي تتمتع بها مؤسساتنا. وفي إطار البناء على نجاحات الهيئة المستقلة للانتخاب، فقد شهدنا مؤخراً إقرار المزيد من التعديلات الدستورية التي توسع من مسؤوليات الهيئة لتشمل إدارة الانتخابات البلدية، وأي انتخابات عامة أخرى مثل انتخابات المجالس المحلية في المحافظات.
3 ـ تأسيس مجلس النواب مركزاً للدراسات والبحوث التشريعية يدعم عمل النواب واللجان النيابية المتخصصة، ويضمن أن يستند عمل المجلس وقراراته إلى الأبحاث والمعلومات المدعومة بالبراهين.
4 ـ قيام اللجنة المالية في مجلس النواب بمناقشة تفصيلية لموازنات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، والديوان الملكي الهاشمي للعام 2014، وذلك في سابقة ومبادرة نوعية لمجلس النواب للارتقاء بآليات وممارسات الرقابة.
5 ـ استمرار العمل في تدعيم السلطة القضائية.
6 ـ تعزيز منظومة وطنية قوية للنزاهة والشفافية والمساءلة، بنيت على مخرجات «اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية»، و»لجنة تقييم التخاصية»، وتستند إلى سلطة قضائية قوية ومستقلة وعدد من المؤسسات الرقابية الرئيسة، مثل:
ـ هيئة مكافحة الفساد،
ـ وديوان المحاسبة،
ـ وديوان المظالم،
ـ وأنظمة الرقابة في القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني
7 ـ الاستمرار في دعم المركز الوطني لحقوق الإنسان وشبكة من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان..
8 ـ متابعة العمل في مسارات برنامج تطوير القطاع العام، من خلال: البناء على ما تم إنجازه من دمج المؤسسات ضمن مسار إعادة هيكلة القطاع العام، والاستمرار في تحسين مستوى الخدمات الحكومية، وتنمية الموارد البشرية، وتطوير آليات صناعة القرار.
9 ـ الاستمرار في جهود اصلاح المؤسسات الأمنية الوطنية. وكانت هذه الجهود ، قد انطلقت مع الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى مدير المخابرات العامة في عام 2011 للمضي قدما في إصلاح هذه المؤسسة الوطنية الرائدة.
10 ـ وفي خطوة إصلاحية لا تقل أهمية، فإن الحكومة تعكف حالياً على تفعيل دور وزارة الدفاع، لتتولى مسؤولية جميع الشؤون الدفاعية غير القتالية، ولتكون، بالطبع، جزءا من الحكومة وخاضعة لرقابة مجلس الأمة.
نظرة مستقبلية
بعد أن حدد جلالة الملك عبدالله الثاني ، فلسفته في الحكم، وحدد انجازات الربيع الأردني، فإنه يختم رسالته الأخيرة في مجال الإصلاح السياسي، ببرنامج عمل يعكس القناعة بأن الإصلاح السياسي هو عملية مستمرة لا تتوقف؛ وفي هذا المجال، فإنه يتوجه إلى :
أولا، المشرّعين لتطوير القوانين السياسية الرئيسية، بما يضمن التوافق والارتقاء بتجربة الحكومة البرلمانية، واعطاء الأولوية لقوانين الحكم المحلي عبر إنجاز قوانين الانتخابات البلدية واللامركزية، ثم انجاز قانون جديد للانتخابات البرلمانية اللاحقة، وتعزيز أعراف العمل البرلماني، وتطوير مدونة السلوك البرلماني، واعتمادها.
ثانيا، للحكومة لتطوير أداء القطاع العام والجهاز الحكومي بحيث يكونا على أعلى مستويات المهنية والموضوعية والحياد السياسي والقدرة على إنتاج سياسات مقترحة مبنية على البراهين والأبحاث.
ثالثا، للحكومة، أيضا، للمضي قدماً في تفعيل وزارة الدفاع.
رابعا ، للسلطات القضائية، للاستمرار في بناء قدراتها لأن العدل هو أساس الحكم، بالإضافة إلى تطوير قدرات المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب لتمكينهما من إطلاق كامل طاقاتهما والعمل وفق أفضل الممارسات العالمية، لتغْدُوا مراكز تميّز على مستوى الإقليم.
خامسا، للجنة الملكية لتقييم العمل ومتابعة الإنجاز لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية الاستمرار في متابعة وتقييم تنفيذ توصيات اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية.
سادسا، لمؤسسات المجتمع المدني، ومن ضمنها الجامعات ومراكز الدراسات، إضافة إلى القطاع الخاص، للعب دور أكبر في المساهمة في إنتاج أفكار وأبحاث تقدم حلولاً للتحديات التي تواجهها المملكة.
سابعا، لكل أطراف المعادلة السياسية، لقد أثبت التاريخ، أنه من المستحيل لأي دستور أو مجموعة تشريعات التنبؤ والتحوّط لمختلف الظروف مستقبلا، ويكمن الحل في اتخاذ أفضل القرارات في مواقف غير محكومة بقواعد أو أنظمة مدونة، وهو ما يتعارف عليه بـ»الأعراف السياسية» التي تحكم عادات وممارسات أطراف العملية السياسية، وهي تلعب دورا مهما في كل أنظمة الحكم في العالم، خاصّة البرلمانية. والأعراف السياسية هي عادات وممارسات غير مدوّنة، قد لا يكون لها قوة القانون، إلا أنها شرط أساسي لعمل نظامنا السياسي بشكل فعّال وواقعي. ومن أمثلتها في ممارستنا السياسية كتاب التكليف الذي يوجهه الملك للحكومات، والذي يعد عرفاً سياسياً يُستدل من خلاله على أبرز المسؤوليات والمهام المنتظرة من الحكومة، ويشكل تنفيذها مقياسا مهماً لتقييم أدائها.
ملاحظات ختامية
أولا، الخلاصات:
في مسيرته المباركة في الحكم منذ 1999، كما في أوراقه النقاشية الخمسة التي بلور فيها جلالة الملك عبدالله الثاني، عناصر مشروعه للإصلاح السياسي، يمكننا تلخيص نهج جلالته في تطلعه نحو الآتي:
1 ـ تأكيد تطوير دور الملكية الهاشمية، بوصفها ضامنا للدستور، والدفاع عن السيادة والحقوق الوطنية الكبرى، والعدالة الاجتماعية، وصيانة حقوق الفئات الشعبية، والديموقراطية، ومنع انحرافها، وحل الاستعصاءات السياسية التي تنشأ جراء الممارسات الديموقراطية؛
2 ـ بناء أردن ديموقراطي، بصورة متدرجة تأخذ بالاعتبار، واقع البلاد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني في بيئة جيوسياسية صعبة للغاية، لكن دون التراجع عن الهدف الديموقراطي المركزي؛
3 ـ دفع وتشجيع المواطنين للقيام بأدوار سياسية، والمشاركة السياسية على المستويين المحلي والوطني،
4 ـ التوجه الجدي نحو قيام حكومات برلمانية، تمارس دورها الدستوري في الولاية العامة على الشؤون الداخلية والخارجية،
5 ـ التوجه نحو تعزيز استقلال القضاء، وتقوية دوره في مجمل الحياة الوطنية؛
6ـ التوجه نحو حرية الرأي والتعبير وتعزيز وسائل الإعلام في إطار القيود المهنية والموضوعية والأخلاقية؛
7 ـ دفع الحكومة نحو تعزيز الجهاز المدني، والحد من البيروقراطية؛
8 ـ تأكيد الدور الوطني للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية، ودعمها في الحفاظ على أمن المملكة، وفي الوقت نفسه اخضاع الجيش، من النواحي الإدارية والمالية، لمسؤولية الحكومة ورقابة البرلمان، والعمل على اصلاح الأجهزة الأمنية، بما يتوافق مع معايير الكفاءة وحقوق الانسان.
ثانيا، حول اللامركزية :
في ظروف بلدنا الخاصة، وتركيبته الاجتماعية التاريخية، ومشكلاته التنموية، تبرز قضية اللامركزية كقضية جوهرية؛ فتطوير الديموقراطية التقليدية القائمة على الأحزاب والانتخابات البرلمانية النزيهة العادلة ومجلس الأمة الكفوء والحكومات البرلمانية الفاعلة، على أهميتها المطلقة، فإنها لا تستكمل النموذج الديموقراطي الأردني الذي لا يمكن أن يكتمل إلا في بعدين هما (1) مشاركة المواطنين الأكثر حرمانا وتهميشا في المحافظات في العملية السياسية الديموقراطية، والمشاركة في صنع القرار على المستوى المحلي والوطني، (2) وربط هذه المشاركة السياسية بعملية التنمية المحلية. وهو ما يطرح، فورا، مسألة اللامركزية في المحافظات.
وفي تصورنا أن البناء الوطني الديموقراطي التنموي الكفيل بالدمج الوطني وتوزيع مكاسب التنمية، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق إعادة هيكلة المملكة، كالتالي:
العرش
الحكومة المركزية
الإدارة المحلية.. مجلس تنمية المحافظة
البلدية
سوف تلعب هذه الهيكلية، دورا رئيسيا في إعادة توزيع الصلاحيات والموازنات والمكتسبات التنموية، على النحو التالي:
أولا، يقوم مجلس تنمية المحافظة بدراسة احتياجات المحافظة التنموية الأكثر أهمية، ودراسة الفرص التنموية المتوفرة في المحافظة، مع الأخذ بالاعتبار الثقافة المحلية والانتاجية ودراسات الجدوى، ثم تقوم بالتنسيق حول كل ذلك مع البلدية، والتفاهم على الالتزام بالقوانين البلدية واحتياجاتها، وهنا يتم تقديم تصور تنموي شامل إلى مجلس المحافظة الذي يقوم بدوره بالتنسيق مع الإدارة المحلية، والتوصل إلى رؤية متكاملة مكتوبة ومحددة ومبرمجة ، زمنيا وماليا، يتم رفعها إلى الحكومة المركزية، لإقرارها ووضعها في الموازنة.
ثانيا، منح دور أكبر لمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والفعاليات المحلية، في مناقشة واقرار الخطة التنموية للمحافظة.
ثالثا، سوف يسهم ذلك، من جهة أخرى، في تركيز جهود نواب المحافظة على دعم البرنامج التنموي المدروس لمحافظتهم، بدلا من التقدم بمطالب متفرقة غير منسجمة.
رابعا، وسيساعد ذلك على مناقشة أكثر مهنية للموازنة العامة، وتفرّغ النواب للقضايا الوطنية.
ثالثا، حول تطوير الدور الرقابي لمجلس النواب:
للمجلس النيابي مهمتان رقابيتان ما تزالان مهملتين حتى الآن، وهما:
أولا، لدى إقرار أي قانون في المجلس النيابي، فإن تطبيقه يحتاج إلى سلسلة من الأنظمة التي يصدرها مجلس الوزراء، والتعليمات التي يصدرها الوزير المعني. وما يحدث، في كثير من الأحيان، أن مجلس الوزراء أو الوزير المعني، يتباطآن في إصدار الأنظمة والتعليمات تلك، أو يصدرانها بما لا ينسجم مع أحكام القانون، نصا وروحا، مما يعرقل، واقعيا، نفاذ القوانين المقرة في مجلس النواب، أو يخرجها عن القصد الذي ذهب إليه التشريع.
إن من أهم واجبات مجلس النواب الرقابية، القيام بما يلي:
1 ـ مطالبة ومتابعة الحكومة في التعجيل بإصدار الأنظمة والتعليمات الخاصة بتطبيق القانون المعني،
2 ـ الحرص على أن تكون تلك الأنظمة والتعليمات، منسجمة، كليا، مع نص وروح ذلك القانون.
وبخلاف ذلك، تكون العملية التشريعية، ككل، في وضع غير مكتمل.
ثانيا، على مجلس النواب ألا يكتفي، في إطار دوره الرقابي الضروري، بإقرار الموازنة العامة ، وما تتضمنه من مشاريع، بل يتوجب عليه، كجزء من مسؤولياته، متابعة الحكومة، وسؤالها عن نسب الانجاز في تلك المشاريع، وجودتها، ومستوى الانفاق عليها، والمواعيد التي سوف يتم فيها تسليمها في ضوء المواصفات المعتمدة.
رابعا، في المسار الاقتصادي:
في سلسلة من الأوراق النقاشية اللاحقة، سيناقش جلالة الملك، المشروع الإصلاحي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية؛ إلا أننا، هنا، نريد الإضاءة على بعض المسائل ذات الطابع السياسي ـ الإداري بالدرجة الأولى:
1 ـ آن الأوان لقيام القطاع الخاص الأردني بتحمّل مسؤولياته الاقتصادية الوطنية في مجال رئيسي هو تشييد البنى التحتية؛ ولا يعد ذلك على سبيل التبرّع أو القيام بالمسؤولية الاجتماعية؛ وذلك للاعتبارات التالية:
أولا، قام القطاع العام ، حتى الآن، بإنجازات ضخمة للغاية في مجال البنى التحتية، تتجاوز القدرات الحكومية الأردنية، مما رتّب على خزينة الدولة، قدرا كبيرا من المديونية؛ وما كان بإمكان القطاع الخاص الأردني، تطوير أعماله والتوسع وتحقيق مكاسبه، لولا انجاز تلك البنى التحتية؛ غير أن قدرة القطاع العام على متابعة هذا الدور أصبحت ضعيفة للغاية، مع تحمله أعباء مديونية عامة كبيرة للغاية، في وقت يحتاج فيه التطور الاقتصادي للبلاد، إنشاء المزيد من البنى التحتية الضخمة التي تخدم القطاع الخاص، ولا بد من قيامه بإنجازها؛
ثانيا، إن اقدام القطاع الخاص على انجاز مشاريع البنى التحتية، مفيدة استثماريا واجتماعيا في الوقت نفسه،
2 ـ أخضع جلالة الملك، الآن، تجربة العقد الماضي للدراسة، بما في ذلك تقييم عملية الخصخصة، بايجابياتها وسلبياتها؛ وهو ما يستلزم مناقشة جادة غير منحازة من أوساط رجال الأعمال لمراجعة المرحلة السابقة، والمشاركة الجدية في النقاش، وتقديم الاقتراحات والمبادرات، بدلا من الاقتصار على الشكوى أو تقديم المطالب غير الواقعية أو المتعارضة.
3 ـ قرر جلالة الملك، تأكيدا، لقوننة النزاهة، تشكيل لجنة وضعت ميثاقا للنزاهة الوطنية ، وكذلك الخطة التنفيذية لتحقيق أهداف هذا الميثاق، ومن ثم تشكيل لجنة ملكية لمتابعة الانجاز في تنفيذ تلك الخطة. وبذلك، نستطيع القول إن الأطر الميثاقية والتنفيذية لبناء هيكل وطني للنزاهة، قد تم انجازه. وهو ما يتطلب من القطاع العام، التجاوب الفعال مع أعمال اللجنة، كما يتطلب من القطاع الخاص، الاطلاع على ميثاق النزاهة وخطته التنفيذية ونشاطات اللجنة الملكية لمتابعة تنفيذه، في إطار ما أصبح ضرورة وطنية لتجاوز الماضي، وبناء إطار الثقة الوطنية بمنظومة النزاهة الوطنية.
4 ـ وقد طلب جلالة الملك من الحكومة الحالية، وضع تصور اقتصادي للعقد المقبل. وهذا التصور ليس خطة بالمعنى الملزم، ولكنه يؤشّر على مجالات عمل يمكن للقطاع الخاص أن يبدأ في دراستها.
5 ـ يمكننا القول إن أضعف انجازاتنا في العقد المنصرم، هو الذي يتعلق بالمسار الاجتماعي. وهو ما يستلزم القيام بخطوات جدية لتعديل هذا المسار، ووضعه على طريق النجاح، لتجاوز حالات الفقر والتهميش والبطالة. ولعل قيام القطاع الخاص بمبادرات جدية في مشاريع كبرى أن يخفّض من مستويات البطالة، كذلك، فإن إعادة هيكلة الدولة على أساس اللامركزية من شأنها أن تؤمن فرصا تنموية في المحافظات.
6 ـ لعب جلالة الملك، بمساهمة جلالة الملكة، دورا كبيرا ملحوظا في تطوير ودعم العملية التربوية في البلاد، من خلال تحديث الأبنية المدرسية ومستلزماتها، وتحديث المناهج، وتحفيز العملية التربوية ككل من خلال التأثير الايجابي؛ إلا أننا ما نزال نحتاج الكثير لعمله في هذا المجال، وخصوصا في مجالين أولهما إحداث تغيير جوهري في المناهج المدرسية لدفع الطلبة نحو اكتساب مهارات التفكير بدلا من الحفظ، وتعميق فهم المدرسين والطلبة لمبادئ وقيم الدولة الوطنية الأردنية لتخريج أجيال تساهم في الحفاظ على الدولة، والمساهمة في بنائها، وثانيهما، الاهتمام بالمعلمين من حيث تحسين ظروفهم المعيشية وتطوير قدراتهم التربوية وآفاقهم الثقافية.
شهد الأردن، طوال العقد الماضي، تغييرات كبرى، وضعت الأردن في مصاف الدول الحديثة، في كل المجالات؛ لكن لكل عملية تغيير كبرى، جوانب ايجابية لا تخطئها العين، وجوانب سلبية؛ ومنها :
1 ـ ظهور هوّة طبقية بين فئات المجتمع من حيث الدخل ومستوى المعيشة، وبقاء نسب الفقر والبطالة، على معدلاتها،
2 ـ التغير الثقافي السريع، أو ما يسمى بالصدمة الثقافية جراء العولمة،
3 ـ ما يقترن بفترات التحول الديموقراطي من تراجع في هيبة الدولة وسيادة القانون،
4 ـ تراجع دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، مما يدفع بالأفراد إلى الاحتماء بالعصبيات القبلية والجهوية والدينية،
5 ـ تأخير البت في قضايا المواطنين لدى المحاكم ، كما لدى الحكم المحلي؛
وجراء كل ذلك، من أسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، بدأنا نلاحظ ظواهر غريبة عن مجتمعنا تحتاج إلى معالجة تنموية اجتماعية ثقافية شاملة، ومنها:
1 ـ العنف المجتمعي،
2 ـ عنف الجامعات،
3 ـ تعاطي المخدرات
4 ـ الاعتداء على القانون ورجال الأمن.
وهي ظواهر بالغة الخطورة، ولكن معالجتها تحتاج إلى تصور شامل.
وبعد،
فيما سبق، حاولت، في بحث توخى أقصى قدر من الموضوعية، أن أبين ما يلي:
أولا، الترابط الفكري والسياسي والتاريخي بين مبادئ وقيم الدولة الوطنية الأردنية، وريثة الثورة العربية الكبرى، وأهدافها الاستقلالية التحديثية والاصلاحية، وبين مشروع الإصلاح السياسي الذي بلوره جلالة الملك عبدالله الثاني في خمس أوراق نقاشية بالغة الأهمية، بالنسبة لمجمل المستقبل السياسي للمملكة؛
ثانيا، التركيز على الجوهري في تلك الأوراق، والكشف عن شمولية الرؤية الفكرية السياسية لدى جلالة الملك، في سياق بحثي محكم، حاولنا، خلاله، التوسع في بعض المناحي، وتفصيل بعض المفاهيم، سياسيا وإجرائيا؛
ثالثا، في استنتاجنا النهائي، يمكننا القول إن منظومة القيم الدينية الهاشمية والقومية والوطنية والتحديثية والاصلاحية التي تمثّلها وجسّدها جلالة الملك عبدالله الثاني، في الفكر والممارسة السياسية، تمثّل، معا، أيديولوجية عربية أردنية تحديثية اصلاحية، يشكّل تبلورها خطوة نوعية في الانتقال بالدولة الوطنية الأردنية الحديثة إلى مستقبل مشرق؛
رابعا، لكن هذا المستقبل المشرق يظل مرهونا بالجهود الفردية والجماعية لكل الأردنيين؛ باعتقادي أن الإطار الأيديولوجي الذي حددته سابقا، يمثل سياقا ديموقراطيا للنشاط السياسي لكل التيارات والفعاليات الاجتماعية السياسية، من دون أن يلزمها ببرنامج واحد؛ بالعكس، فإن المطلوب أن يقوم المثقفون والحزبيون والنشطاء والمواطنون، بنقاشات موضوعية ومبادرات فعالة وتبني برامج سياسية واجتماعية وطنية قابلة للتنفيذ، وقادرة على التقدم ببلدنا الحبيب إلى الأمام.
صنع التقدم والازدهار ليس مسؤولية هذا الطرف أو ذاك، من أطراف المعادلة السياسية الوطنية، بل هو مسؤولية الجميع، وخصوصا ما يعوّل عليه جلالة الملك من تحفيز «المواطنة الفاعلة».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.