صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تحالف ضد الإرهاب.. يغذي الإرهاب

0

تستعد المنطقة الى تحالف جديد او قل حرب جديدة ضد الارهاب أطلقت شرارتها قمة الناتو في نيوبورت في ويلز البريطانية ، عنوان هذه الحرب احتواء داعش في العراق ثم القضاء عليه ، وقد تُرك امر داعش في سوريا الى مرحلة لاحقة وهذا في حد ذاته يكشف حالة التخبط والحلول الارتجالية التي تسيطر على اصحاب القرار في امريكا وأوروبا ومن يساندهم من الدول العربية . اذ كيف يتم القضاء على داعش في العراق فيما قوتها الاساسية تتركز في شمال شرق سوريا . وبأي وسيلة سيتم احتوائها وتصفيتها ؟ بالغارات الجوية فقط ام بالتدخل العسكري المباشر ؟ واذا كان التدخل الأرضي الخارجي مستبعد فان اعتماد هذه الحرب على الجيش العراقي وميليشياته الطائفية ، مع مساندة طائرات امريكية كما يحدث اليوم ، لن يقضي على الارهاب حتى وان قًًُضى على داعش ، لأن انتصار المليشيات الطائفية الإرهابية التي يقودها الجنرال الايراني مسلماني هو انتصار للإرهاب وتعميق للصراع المذهبي السني الشيعي الذي يتغذى منه .
تركيز قمة الناتو وكذلك جولة كيري على بناء تحالف ضد داعش العراقية يكشف ايضا ان هذا التحالف الدولي ضد الارهاب يريد حربا بالقطعة تتوافق مع مصالح امريكا وأوروبا ولا تلتفت الى مصالح العرب . وكل هذا النفير الغربي الذي أطلقه اوباما وكاميرون وهولاند ضد داعش ، ما كان ليكون ، لو ان هذا التنظيم الإرهابي لم يذبح الصحفيين الأمريكيين ولم يهدد بذبح البريطاني الرهينة لديه ، ولا كان ، لولا الخوف من عودة المئات من مقاتلي التنظيم حملة الجنسيات الأوروبية والأمريكية الى بلادهم من سوريا والعراق ، وعندما يتلاشى هذا الخوف سوف يتلاشى معه التحالف الدولي ضد الارهاب ، وسيُترك العرب ودولهم وشعوبهم لتحمل مضاعفات حرب اوباما الجديدة ، تماماً كما حصد الشعب العراقي ولا يزال الكوارث والمآسي نتيجة حرب بوش وتحالفه الدولي ضد العراق قبل ١١ عاما .
لا مؤتمر الناتو ولا تحالف اوباما الجديد سينجح في القضاء على الارهاب سواء كان بغطاء عربي او دولي . لانه من قبل لم ينجح بوش في حربه (المقدسة ) على العراق وأفغانستان وقد أرسل مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين ومن حلفائه الى هذين البلدين . ان كل ما فعلته حربه هو إنضاج البيئة الإقليمية لولادة عشرات التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ، فلم يعد الامر يقتصر على القاعدة انما على ما فرّخت من اخوة وأخوات قاعديات امتد نشاطها من العراق الى سوريا وشمال افريقيا وحتى نيجيريا . وهي تنظيمات لم تنجح فقط باحتواء الحملات العسكرية ضدها انما نجحت في احتواء وابتلاع ثورات الربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا .
وفروا إذن حروبكم الفاشلة بل المدمرة للبلدان والشعوب ، حربكم الجديدة ستغذى الارهاب كما غذته سابقتها ، ان الطريق الوحيدة لمعالجة الارهاب والقضاء عليه تبدأ بتجفيف مستنقعاته ، وبتغيير المناخات التي يتغذى منها . وبغير هذه المعالجة التي تستهدف القضاء على جوهر الظاهرة لن تكون النتيجة غير استمرار كوارث تمزيق الاوطان والشعوب وسط شلالات من الدماء .
كيف للدول العربية ان تشارك في حرب على الارهاب وهي لم تتفق على تحديد هوية الإرهابي من المقاوم والثائر ، وبعض الدول تتصرف باعتبار حماس ارهابية ! ؟ وكيف لها ان تشارك في حرب تؤدي نتائجها الى انتصار ميليشيات مذهبية على حساب اخرى ؟ وكيف لها ان تشارك في حرب على داعش لانها أزالت حدود سايكس بيكو وهي ترى الأكراد يرسمون حدودا جديدة لإقليمهم يمتد الى كركوك وديالى ونينوى ، وكان حزب الله قد ازال الحدود بين سوريا ولبنان في عرسال والقلمون ؟.
قبل ان يرسل التحالف أسراب طائراته الى العراق عليه ان يمارس الضغوط على الحكومة العراقية لتعيد بناء الجيش على أسس الاحتراف والعقيدة الوطنية الجامعة كما طالب الرئيس فؤاد معصوم، والعراقيون يتساءلون اليوم هل كتب عليهم حكم الحزب الواحد ليستبدلوا البعث بحزب الدعوة لان العبادي يخرج من حزب المالكي ؟ . وقبل ان يرسل التحالف طائراته في المستقبل لمحاربة داعش في سوريا عليه ان يمارس ضغوطا دولية حقيقية لفرض حل سياسي في سوريا على أساس اتفاق جنيف ٢ ، وإلا فان الطائرات التي ستُرسل للحرب في سوريا والعراق ستعمل في خدمة ارهاب الدولة والتنظيمات الارهابية العميلة لإيران وهي تنظيمات داعشية في نهجها وممارساتها.
الانظمة العربية او ما تبقى منها تحتاج الى مؤتمر عربي – عربي يجري برعاية الامم المتحدة عنوانه القضاء على الارهاب من منابعه الاجتماعية والسياسية والعقائدية . مؤتمر تقرر فيه الانظمة ماذا تريد ، فاذا كانت تريد بقاء الدولة الوطنية كما قامت منذ عهود الاستقلال فعليها ان تعلن بشكل جماعي عزمها على ان تتغير ، وان تحدّث نظامها السياسي لتتحول من دول تقصي شعوبها عن الحكم الى دول تؤمن بالمواطنة وحقوق شعوبها السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية الخ . بعبارة موجزة ان تقر هذه الانظمة بالتخلي عن النظم والمفاهيم المنتمية الى الحكم المطلق والاستبداد والديكتاتورية و الطائفية المقيتة وان تسلك دروب الديموقراطية السياسية التي حصلت عليها معظم شعوب الارض باستثناء العرب . ولان هذه الانظمة اذا استمرت في تجاهل التغيير فلن تخرج من دوامات الفوضى والتشرذم والانقسام الى ان يصبح النظام العربي موصوفا ( بالرجل المريض ) في القرن الحادي والعشرين والذي تتنازعه أطماع الدول الكبرى وإيران واسرائيل .
العالم العربي بحاجة الى تحالف دولي في اطار الامم المتحدة يحمل الى شعوبه فرص الحرية والكرامة والمساواة التي تجلب الامن والاستقرار الدائمين ، وليس مشاريع الحروب التي ما ان تبدأ حتى لا يُعرف متى تنتهي . إنقاذ شعوب المنطقة يكون بمشاريع للتغيير وليس بحروب تكرس أمراض الارهاب والتخلف . محاربة الارهاب ضرورية في الوقت الراهن لكنها لن تنجح الا اذا جاءت في اطار استراتيجية عنوانها الانتقال من حالة إنكار حقوق الشعوب العربية الى حالة الاعتراف بها . اخيرا ان اي تحالف دولي ضد الارهاب يقوم بمشاركة دول تقوم على شرعية العسعس والقمع والفساد والتخلف الطائفي سُيبقى المنطقة خاضعة لمعادلة حروب تولد إرهابا وبالعكس .
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.