صحيفة الكترونية اردنية شاملة

‘نقطة تحول’ أم لحظة عابرة!

0

ثمّة اتجاه نخبوي أردني وعربي يقلّل من شأن ما حدث فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ويرفض توصيف ما انتهى إليه على أنّه انتصار أو إنجاز عسكري للمقاومة؛ وذلك بالاستناد إلى النتائج وحجم الخسائر الكبير، والبنود الأساسية للاتفاق الموقع. لكن هذا الاتجاه لا ينكر أنّ هناك حالة صمود وتضحية وفدائية عالية لدى الشعب الفلسطيني، وميزان القوى لا يسمح بأكثر من ذلك.
ومن الضروري، كما يرى هذا الاتجاه، إدراك أنّ النتائج لن تكون “نقطة تحول” في المسار الفلسطيني ولا في المحيط الإقليمي، بل ستسعى إسرائيل، عبر تطبيق الاتفاق، إلى تنفيذ أجندتها السياسية؛ بشلّ قدرة “حماس” على إعادة إعمار غزة، وتشديد وسائل الحصار المتعددة والمتنوعة على الفلسطينيين.
على النقيض من التيار الأول، يرى تيارٌ آخر، ومعه شريحة اجتماعية عريضة وكبيرة في الشارع الفلسطيني والعربي والأردني، أنّ “حماس”، مع فصائل المقاومة الأخرى، كسبت معركة عسكرية مهمة وكبيرة، وأنّها قلبت الطاولة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأحدثت اختراقات نوعية؛ سواء عبر حرب الصواريخ، أو الأنفاق أو المستوى التكتيكي العالي من القتال.
كذلك، يرى هذا الاتجاه الثاني أنّ “حماس” أفشلت مخطط نتنياهو وأهدافه بعزل المقاومة وتدمير ترسانتها من الأسلحة، وإنهاء ظاهرة الأنفاق. كما أنّ “حماس” لم ترضخ للشروط الإسرائيلية ولم توافق على وقف إطلاق النار، إلا بعدما تحققت أغلب شروطها، والتي تتعلق بوقف الاغتيالات والعدوان وفتح المعابر، والتمهيد لمفاوضات من أجل الميناء والمطار في مرحلة لاحقة.
يمكن أن يستمر السجال والجدال طويلاً حول تعريف ما حدث في غزة، إلاّ أنّه مهما كان الاختلاف بين النخب السياسية، فإنّ هناك توافقاً عاماً بينها على أنّ إسرائيل لم تحقق أهدافها السياسية والعسكرية المعلنة، بالرغم من حجم الكارثة الإنسانية في غزة، وأنّ الفلسطينيين انتصروا رمزياً ومعنوياً، وهو جانب مهم وأساس في المعارك اليوم. ولا أظن أنّ الإسرائيليين يستطيعون إنكار هذه النتيجة التي تفضحها أجواء الشعور بالخيبة والهزيمة في الإعلام الإسرائيلي والأوساط الإسرائيلية، بينما كان الفلسطينيون والعرب يحتفلون بالانتصار.
ذلك الجانب المعنوي يوازي بدرجة كبيرة، إن لم يتجاوز، الحسبة المباشرة للأرباح والخسائر العسكرية، التي لا يمكن أن تكون مقنعة ولا منصفة في مسار حركات التحرر الوطني وحق الشعوب في تقرير المصير، وفي ظل موازين قوى مختلة تماماً.
نعم، هناك خسائر إنسانية كبيرة محزنة ومؤلمة وفادحة، لكنْ هناك أيضا نصر سياسي ورمزي مهم تحقق للمقاومة الفلسطينية، ويتمثل في معركة الإرادة والصمود والتحدي، وهي نتيجة مختلفة تماماً عما انتهى إليه العدوان الإسرائيلي في العام 2008 على قطاع غزة!
المهم الآن هو كيف تتعامل “حماس” مع مرحلة “ما بعد غزة”، وكيف تدير معركتها السياسية والدبلوماسية؟ وهل ستنجب التفاهمات الفلسطينية حكومة وفاق وطني حقيقية، تساعد على تحسين شروط تفاعل الفلسطينيين مع المجتمع الدولي؟ وهل ستنجح “حماس” في تقديم نموذج حضاري محترم ومتقدم في عملية إعادة إعمار غزة؟
يمكن أن تُترجم النتائج الراهنة إلى “نقطة تحول” في المسار الراهن، كما يصرّ قادة “حماس”، لكن الشرط الرئيس لذلك هو أن ينجح الفلسطينيون و”حماس” في المعركة السياسية، وفي معركة الحياة والبناء والتنمية والتعددية الداخلية، كما انتصروا في معركة الصمود والتضحية والفداء؛ وأن يتم استثمار ذلك الزخم الروحي والسياسي الكبير في ترميم المشروع الوطني الفلسطيني، وإحياء الأمل الشعبي بتغيير قواعد اللعبة مع الإسرائيليين، بعدما أثبتت السنوات الأخيرة بأنّ الرهان على “معسكر السلام” هناك هو رهان وهمي وخادع.
الأولوية الفلسطينية اليوم تتمثّل في ترتيب البيت الداخلي وتصحيح المسار، وتقديم نموذج وطني محترم تعددي مناضل.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.