صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رمضان درامياً

0

ما من شك في أن العدوان الاسرائيلي على غزة قد طغى على اهتمامات وهموم كثيرة الا لدى قلة قليلة لا مبالية وغير مكترثة، ومن جملة ما طغت عليه الجرائم الاسرائيلية الأعمال الدرامية التي عُرضت في شهر رمضان المبارك بعد أن تكفل مونديال كرة القدم بجذب الأنظار في النصف الأول للشهر الكريم، لكن قراءة متأنية لما بثته الشاشة الفضية تكشف أن الكم طغى على النوع في ما عُرض من أعمال وبرامج رمضانية، صحيح كان ثمة زحمة لا يستطيع المشاهد متابعتها كلها حتى لو تفرغ لها كلياً تاركاً كل ما عداها لكنها زحمة لا تُسمن ولا تُغني، بل على العكس تماماً تساهم في تشتت المشاهد وعدم تركيزه نظراً الى كثرتها، وهنا لا بد من سؤال المبرمجين (بكسر الميم) والقيمين على القنوات التلفزيونية العربية عن جدوى هذا الأمر الذي كان مبرراً ومفهوماً زمن الشاشة الواحدة في كل دولة، حينها كان من الطبيعي والبديهي تذخير الأعمال المميزة لرمضان الذي هو شهر الأسرة بامتياز، حيث تجتمع العائلة على موائد الأفطار والسحور وتتابع ما يقدم لها عبر أثير الشاشة الصغيرة، لكن لم يعد لهذا أي مبرر في زمن باتت القنوات التلفزيونية أكثر من الهمّ على القلب، وأمسى ثمة قنوات متخصصة بعرض المسلسلات على مدار السنة، لذا فإن حشد الأعمال كلها لعرضها خلال شهر واحد غدا مسألة لا منطقية وبلا جدوى.

أما الأهم، وهو السوية المهنية لتلك الأعمال فحدّث ولا حرج، اذ تبدو غالبيتها غير قادرة على ادهاش المشاهدين ولا على جذب انتباههم الا للسخرية منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابع تلك المواقع يلاحظ من الكتابات والتعليقات أنه لم يعد ممكناً أبداً في عصر الصورة المتاحة للجميع، الاستخفاف بعقول الناس وبأذواقهم وتقديم ما تيسر بوصفه عملاً «عظيماً». ويمكن الاشارة هنا الى مسلسل «عشرة عبيد زغار» (تباً لها من تسمية عنصرية مقيتة) المستوحى من أجواء أغاتا كريستي، والمُستعاد من حقبة سبعينات القرن الماضي حين حقق نجاحاً معقولاً بأجواء الرعب التي كان يبثها فينا يوم كنا أطفالاً صغاراً، فيما تحولت نسخته المستحدثة الى ما يشبه الرعب الكوميدي كي لا نقول الرعب المضحك!

ولئن تفاوتت الآراء في مسلسل «لو» الذي جذب مشاهديه بفضل ممثليه حيث اعتبره البعض غير مناسب تماماً للأجواء الرمضانية، فان مسلسل «سرايا عابدين» كان له النصيب الأكبر من التعليقات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اذ ثمة من وجده نسخة عربية مقلدة ومشوهة لـ»حريم السلطان» التركي، فضلاً عن كم الأخطاء التاريخية التي وقع فيها، والديكورات الواضح جداً أنها كذلك بحيث لا تعطي أي انطباع بأنها قصور أو أمكنة حقيقية على رغم الكلفة الانتاجية العالية لهذا العمل، ولا يبدو مسلسل «كلام على ورق» أحسن حالاً خصوصاً لجهة الاخراج وكادرات التصوير المائلة طوال الوقت بلا أي مبرر اخراجي.

أما برامج الترفيه والمقالب والحوارات فلم تكن سوى نسخ مكررة عما شاهدناه في مواسم رمضانية سابقة، بل ان بعضها كان أفضل حالاً وأكثر استقطاباً لنسب المشاهّدة في السابق، والأنكى أن بعضها يقع في المجانية والابتذال من خلال مقالب ممجوجة معظمها يتم الاتفاق مسبقاً عليها بين معدّي البرامج المذكورة والضيوف المفترض أنهم ضحايا تلك المقالب العنيفة التي لا تقدم ترفيهاً ولا تسلية مع انعدام أي فائدة مرجوة منها.

طبعاً لا يخلو الأمر من أعمال وبرامج جيدة تحترم العقل والذائقة (فما ذكرناه مجرد أمثلة رأينا فيها يحتمل الخطأ مثلما يحتمل الصواب) في زمن بات فيه التلفزيون أمام منافسة شديدة الخطورة على مستقبله حيث الميديا الحديثة تسحب بساط مشاهديه رويداً رويداً، ما يفرض على صنّاع أعماله مزيداً من الجهد والاتقان واحترام عقول الناس.

الحياة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.