صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نظرية الكرسي

0

لم أقصد كرسي الحكم بنوع اللاصق الذي عليه, رغم أنه أغلى ما يملكون هنا وهناك, بل أعني نظرية “كنت” الفلسفية المشهورة عن المعرفة، وكان الكرسي رمزا ومثالا سهل التفسير لها .

وتتلخص نظرية كنت بأن المعرفة المباشرة أو المحضة مستحيلة على مستوى أن تحرر نفسها من النفس، مع أنها قادرة على معرفة الحقائق بشكل غير مباشر ( مثال على ذلك ) الكرسي، والكل يعرف ما الكرسي، ولكن لا أحد تماما يراه من نفس الزاوية, ولا يراه أحد من الزوايا الأخرى في نفس الوقت. وعندما يراه شخص فإنه لا يعرف من مجرد رؤيته أن يحكم على كل خواصه، ولا يعرفه بحد ذاته بمجرد النظر إليه مباشرة، ولكن من خلال صور في النفس تبث من خلال العين.

ومن خلال ما تمر به بعض الدول العربية وسأخص بالذكر سوريا، إن الشرح الوافي لهذه النظرية أن نشبه الأزمة هناك بالكرسي، وأن يمثل ما يتلقاه المشاهد باستحالة المعرفة المباشرة, ومع اختلاف المتلقين تختلف وجهات النظر الناتجة عن مشاهدتهم المنتقاة، فبالتالي اختلاف ردود أفعالهم اتجاه القضية, اختياري لسوريا كان من باب الفضول اللامنتهي لأنها الملف الذي لم يغلق وما زال متداولا على الكرسي, ولأن المعرفة الحقيقة في هذه القضية أصبحت مستحيلة, فما يقدمه الإعلام على شاشاته “أجنداته” على مدار ثلاثة أعوام، شتت أدوات المعرفة واليقين في أعماقنا أو إذا صح التعبير وجه بوصلة كل منا إلى مراحل مسيسة ومرتبة على خط زمني واضح بدأت بمظاهرات سلمية مؤرخة ثم دامية ثم حرب كيماوية ثم حرب خارجية ثم المزيد من اللاجئين والمعتقلين ومساعدات مسلحة للمعارضة وغيرها انسانية وإغاثية للداخل ثم داعش والنصرة ولا ننسى بين كل مرحلة وأخرى اجتماعات مكثفة في مجلس الأمن وطارئة في مؤتمرات القمم العربية المنددة دائما, وفي النهاية يدور الدولاب من جديد لانتخابات رئاسية يقودها من كان عليها وفوز الأسد بأغلبية مطلقة بعد أن اقترع باسمه عشرة ملايين ناخب .

كلنا نعلم أن وسائل الإعلام تنقل الأحداث بعد عمليات التكرير والتصفية، ومن الزاوية التي تحلو لها ولسياساتها لتُسقط ما تبقى من وقائع لا تريد لمتابعها المدلل أن ترسخ في ذاكرته، لكن في سوريا أثبت أن لكل قاعدة شواذ, فأن تشاهد حمام من الدم على مدار ثلاث سنوات ولاجئين في كل مكان في العالم ومدن بالكامل هدمت دون أن نخرج بنتيجة واحدة على الأقل بل ما زال الأسد يقول الإرهابيين والإرهابيين يقولون النظام والنظام يعلنها مؤامرة تشعبت خيوطها من الخليج، والخليج يتهم الأسد والإعلام العربي يبث مشاهد للقصف من جهة وطوابير من المنتخبين على أبواب سفاراتهم في الخارج وعلى صناديق الإقتراع في الداخل من جهة أخرى, وانتخابات هتفت باسم من أرادوا اسقاطه “بدنا أمن بدنا نرجع على بيوتنا”، “سوا بقيادة الأسد بنبني البلد”, حالة من الضياع تسيطر على المتابعين للأحداث والسؤال الحاضر في عقولنا اللاواعية ماذا نريد؟ لماذا في هذه القضية حصرا لم يمتلك أي منا جواب شاف أو دليل قاطع! أبيض أم أسود! هل وجود المقاتلين الأجانب والمتطرفين قلب المعادلة؟ أم كما يقول البعض في الداخل” ناره ولا جنة غيره!”.

الجواب الحيادي التحليلي لما يجري من وجهة نظري أن تلك الوقائع حقيقة فقط لمن كان هناك في الحدث, لمن قاتل رحل استنجد استشهد اعتقل خُطف ناشد، من عاش ظروف حرب لا نستطيع تحديد أطرافها, لذا فالحقائق إما تحوم في أزقة المدن السورية أو تدفن مع أصحابها، هم فقط يملكون المعرفة, وفور عرضها على الشاشات ونشرها بالصحف فنحن أمام خلاف منتظر يظهر الخبر أو الفيديو فنشتم جهة أو نتعصب لأخرى ونتجنب أصدقاء لاختلافهم معنا بالآراء ونترك مساحة للأعداء الحقيقين أصحاب الغزو الفكري أن يكسبوا الرهان بدم أكثر ,صراعا أكبر, جهلا أعمق وجرعات كبيرة من الفرقة والطائفية وأصابع اتهام ممدودة بين أخ كان من المستحيل أن يتهم أخاه. والمعضلة الكبرى أن القشة التي قصمت ظهر البعير ما زال البحث جاريا عنها ونرجو أن لا تنتهي القضية عند هذه النسبة ٨٨.٧ % !

*اردنية مقيمة في كاليفورنيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.