صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أفغانستان جديدة في قلب الشرق الأوسط

0

عندما تتمكن مجموعة من الجهاديين المتعصبين الذين يلبسون القمصان السود من اجتياح ثاني أكبر مدينة، ثم يختفي جيشك ببطء، وبعدها تدعو إلى إعلان حالة الطوارئ، وبرلمانك لا يتمكن من جمع النصاب القانوني للاجتماع، فإن ما يصبح لديك هو دولة تتحرك بسرعة نحو الفشل. هذا هو الوضع الذي يرأس فيه نوري المالكي، رئيس الوزراء الطائفي غير القابل للإصلاح، دولة بائسة ربما أصبحت في الرمق الأخير بوصفها دولة موحدة.

لو كان هذا فقط يتعلق بالعراق – الذي كان يوماً دولة عربية مزدهرة أقعدها القمع، والحروب، والعقوبات المهلكة، والاجتياح الأمريكي، والاحتلال في عام 2003 الذي أشعل مذابح طائفية وإثنية – يمكن أن يكون أمراً سيئاً بما فيه الكفاية. لكن الخطر المحدق يكمن في انهيار سورية أيضاً، وأشباح أفغانستان جديدة تلوح في الأفق وفي قلب الشرق الأوسط، مع توفير ممر للجهاديين إلى البحر الأبيض المتوسط عبر أراضي المعارك الطائفية في بلاد الشام.

الموصل، المدينة الواقعة في شمال العراق التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، سقطت دون قتال في هذا الأسبوع في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام “داعش”، الحركة الجهادية السنية العابرة للحدود التي فرختها “القاعدة” ثم لفظتها، بسبب تمردها ووحشيتها تجاه المسلمين الآخرين. واكتسحت “داعش” الأراضي العراقية آتية من سورية، ثم انتشرت عبر وادي الفرات العُلوي، واندفعت بعد ذلك باتجاه بغداد التي يمكن أن تقترب منها من جهة الغرب بعد استيلائها على مدن الفلوجة والرمادي في بداية هذه السنة.

وأضافت مصارف الموصل التي استولت عليها هذه المنظمة، مبلغاً قيل إنه يصل إلى 400 مليون دولار إلى قيمة المبالغ التي جنتها من عمليات الخطف والابتزاز. وقد تضخمت ترسانتها الآن من الأسلحة لتشمل طائرات الهيلوكوبتر، بلاك هوك، وسيارات همفي التي زودت بها الولايات المتحدة جيش العراق التعس.

أطلقت “داعش” صفيرها مقدماً، معلنة قدومها إلى بغداد، المدينة التي تسكنها أغلبية شيعية منذ القتال السني ـ الشيعي بعد اجتياح عام 2003. وكان أحد الإعلانات الغاضبة التي صدرت عن هؤلاء الموحدين المتطرفين التكفيريين هو حث المقاتلين على الزحف إلى المدن الجنوبية الشيعية المقدسة، مثل النجف “عرين المشركين” الشيعة، الذين يُعتبرون من المسلمين الأقل غيرة على الإسلام، وأنهم هم الكفرة الذين وعدهم الله بالدرك الأسفل من النار في الدار الآخرة. في الوقت نفسه هاجمت قوات البشمركة كركوك ودخلت إليها، لتأمين أراضيها الغنية بالنفط، التي تعتبرها أراضي كردية.

وأصدر علي السيستاني، أكبر إمام شيعي في البلاد، دعوة لحمل السلاح، وهو الذي اعتاد الوقوف على الحياد بين الفرقاء السياسيين في البلاد. كذلك بدأ مقتدى الصدر في تحريك أتباعه، وهو الذي وقفت ميليشياته الشيعية في وجه المحتلين الأمريكيين قبل عقد من الزمان ـ العراق يغرق في حرب أهلية.

وتوجد أربعة أسباب لانهيار العراق كدولة موحدة، وهو يشبه سورية التي انفجرت الأوضاع فيها وتحولت إلى صراع طائفي قريب من العراق قبل ثلاث سنوات، ويبدو كما لو أنه فقد الإحساس بالرواية الوطنية التي كان يتشارك فيها التشكيل السكاني للمجتمع العراقي.

الأول، عندما تحولت الانتفاضة ضد دكتاتورية بشار الأسد في سورية ذات الأغلبية السنية إلى حرب، أوكل الداعمون للثوار المهمة إلى قوى مثل تركيا التي أصبحت مصدراً للمتطوعين الجهاديين. وعندما تراجع الغرب عن إعطاء الثوار العاديين الوسائل لقتال الأسد الذي بنى دولته الأمنية على الأقلية العلوية، التي هي فرع من الشيعة، جاءت مجموعات مثل “داعش” لتملأ الفراغ، وأثبتت ما كان يصيح به النظام منذ فترة بأن من يحاربهم هم من التكفيريين والإرهابيين.

الثاني، فتح المالكي ـ الشيعي المحسوب في العهد السابق على الولايات المتحدة ـ أثناء ذلك الأبواب في العراق لعودة الجهاديين بعد اضطهاده الأقلية السنية وتطهير الدولة من قادتها، وتمزيق اتفاقية المشاركة في السلطة مع الأكراد والسنة، الذين كان يُفترض فيهم متابعة انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2011.

ثم جاءت “داعش” التي ولدت من رحم “قاعدة” العراق التي دمرت نفسها بنفسها، بعد أن وضعت من أولوياتها ذبح الشيعة – وهم أقلية في الإسلام لكنهم أكثرية في العراق – وأرهبت القبائل السنية لدفعها للثورة. ووفرت “داعش” بعد ذلك ميداناً جديداً لها في سورية، خاصة في المنطقة الخارجة عن سلطة الدولة، بين نهري الفرات ودجلة، المعروفة بمنطقة الجزيرة، التي تسيطر “داعش” على أغلبها الآن. لكن طائفية المالكي والفساد هما اللذان مكنا هذه المجموعات الجوالة من المجانين الذين يتبنون أفكاراً تعود لألف سنة، من شق طريقهم بمخالبهم للعودة ثانية إلى هذه الدولة الممزقة؛ العراق.

ثالثاً، الجيش العراقي المكون من مليون رجل، الذي دربته وجهزته الولايات بتكلفة 30 مليار دولار، هو الآن يعرج ويتعثر في مشيته بسبب الفساد. جمع المالكي كل السلطة في يديه، واستولى على حقائب وزارة الدفاع والداخلية والمخابرات. لكن النهب يحرم الجيش العراقي من حاجاته الأساسية. وقد استنزفت معنوياته بسبب الإحساس – الذي يشاركه فيه السنة والأكراد ومعارضو المالكي من الشيعة – بأنه تحول إلى أداة في يد فصيل شيعي واحد، الأمر الذي لا يجعلنا نستغرب امتناع هذا الجيش عن الدفاع عن حكومة المالكي في الموصل.

لكن، وهذا هو السبب الرابع، حين تحولت “داعش” من تكتيكات “اضرب واهرب” إلى “سيطر واحتل”، تمسكت بشبكة سنية ذات نفوذ، ليس من القبائل فحسب، ولكن أيضا ممن تبقى من الضباط من تشكيلات الجيش المهزوم للدكتاتور السابق صدام حسين، الذين لوحظ أن عدداً منهم يعمل في صفوف “داعش” ـ ربما يكون منهم الطيارون الذين يطيرون بمروحيات بلاك هوك.

لكن ربما تعمل “داعش” الآن فوق طاقتها – وبالتالي تعمل على توحيد لاعبين إقليميين متعارضين لولاها، ليكونوا ضدها. وبلغت إمكانية الفوضى والمذابح الإقليمية حداً يمكن أن يعجل بتقارب مبدئي بين الولايات المتحدة وإيران. وتحاول تركيا وإيران وضع تنافسهما جانباً، بعد أن زار الرئيس الإيراني حسن روحاني أنقرة في الأسبوع الماضي.

ومع تقدم “داعش” نحو الجنوب، فإن باراك أوباما، الذي انتُخِب ليخرج القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، سيتعرض لضغط لاستخدام القوة الجوية الأمريكية في وقف “داعش”. وإذا فعل، فإن المنطق يشير إلى أنه يجدر به أن يطارد القوات نفسها ويدفع بها إلى سورية – حيث أعطى رفضه التدخل “داعش” دفعة إقليمية قوية – ويفسح المجال أمام الثوار من التيار العام لقتال عائلة الأسد.

الاقتصادية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.