صحيفة الكترونية اردنية شاملة

معان ونزف الخاصرة

0

ما تزال معان قضية ملتهبة، هذه المدينة العزيزة التي باتت تشكل جرحا نازفا في الخاصرة الوطنية، تكاد لا تتوقف دورة العنف فيها منذ عقدين ونيف، فيما تبدو اليوم أكثر احتقانا، ومهيأة لمزيد من التأزيم والعنف، في ظل تعطل لغة الحوار والتواصل والحلول السياسية للأزمة التي انفجرت في دورتها الأخيرة منذ نيسان (أبريل) الماضي.
بحق هي أزمة مفتوحة، تبدو اليوم وقد استعصت على الحلول والمقاربات الوطنية التي تعيد الوضع في هذه المدينة الى سكة التعافي والسلم الاهلي. وثمة حلقة ما تزال مفقودة في معالجة هذه الازمة، بعيدا عن تباين المواقف وتضاربها بين الجانبين الرسمي والشعبي في معان، وتبادل الاتهامات بتحمل المسؤولية عن تدهور الاوضاع الامنية في الشهرين الماضيين.
ذات العنوان الذي حمله تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في العام 2003 لقضية معان يومها “معان.. أزمة مفتوحة”، ما يزال ينطبق على الازمة اليوم، ما يعكس ان الازمة بقيت بلا حلول استراتيجية، بل وتفاقمت الاوضاع سوءا، حتى وصلنا اليوم الى تدهور كبير في الوضع الامني، واستعصاء في الحلول، والذي يدفع ضريبته اهالي معان أساسا.
ناشطون معانيون يرفضون توصيف الأزمة الحالية في مدينتهم بالامنية، ويؤكدون انها تنموية اقتصادية اجتماعية، فيما تصر الحكومة والاجهزة الرسمية على انها امنية اساسا اليوم، في انتظار اعادة فرض الأمن والاستقرار في المدينة، والقبض على نحو عشرين مطلوبا للقضاء، ووقف مظاهر الاعتداء على المؤسسات الرسمية والاجهزة الامنية.
الحلقة المفقودة تقع هنا تماما، بين الرأيين، ووصلها ما يزال غائبا، ما يترك خلفه الاحتقان، والتوتر، ويهدد باندلاع موجات عنف جديدة.
قد تكون الازمة اساسا هنا في الثقة المفقودة بين الحكومات واوساط شعبية في معان، كما يتحدث وجهاء من المدينة، وهو ما يحتاج مقاربات وجهود لاستعادتها، او بالاحرى التأسيس لاستعادتها.
لكن ذلك لا يمنع التأكيد على ان تطبيق القانون والتصدي لمخترقيه، وضرورة تسليم المطلوبين لانفسهم للقضاء، امر لا مناص منه، ولا يمكن التساهل فيه. وهو ما نجزم انه يمثل رأي اهالي معان انفسهم، الذين يخشون اليوم كما يشيرون، من عدم توفر ضمانات قانونية للمطلوبين، اذا ما سلموا انفسهم.
وفيما يتعلق بالمطالب التنموية والاقتصادية لاهالي معان، فهي بلا شك مطالب حقة وملحة، في محافظة ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة، وتتردى الاوضاع المعيشية والاقتصادية فيها بصورة واضحة. لكن من المنصف والموضوعي القول اليوم إن جيوب الفقر والبطالة ومساحاتها، وتردي الاوضاع المعيشية، هي ظاهرة عامة تلف مختلف مناطق المملكة، بما فيها العاصمة عمان.
لكن حل هذه الاوضاع والازمات لا يكون، بلا شك، بالخروج على القانون، والاعتداء على رجال الامن والمراكز الامنية، والمؤسسات العامة والخاصة، او عدم الاعتراف بشرعية القانون، مع الاقرار بأن هناك تجاوزات حقوقية ترتكب في معان وغيرها، وهي تواجه بالاحتجاج السلمي. استعادة الثقة المفقودة وتطبيق القانون هما مفتاح الدخول الى ازمة معان، والبحث عن مقاربات شاملة لحلها. وهي مهمة لا تقف عند الحكومة والاجهزة الرسمية فقط، بل تتعداهما الى دور مجتمعي وسياسي مطلوب وبالحاح.. اليوم وقبل الغد.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.