صحيفة الكترونية اردنية شاملة

عـن روسيـا الثـوريـة جــدًا!!

0

لا خلاف على أن الموقف مما يجري في أوكرانيا كان متباينا في الأوساط العربية والإسلامية، ليس إلى حد الانقسام، ولكنه بين غالبية ترتاح لملامح هزيمة بوتين، وأقله مأزقه في أوكرانيا، وبين أقلية صغيرة تتوزع على مجموعات حزبية وطائفية (من أديان شتى)، هي تلك التي تساند بشار في حربه ضد شعبه.
أسباب موقف الغالبية تتمثل في علاقة العداء التي نشأت بينها وبين نظام بوتين في ظل وقفته الحاسمة إلى جانب طاغية يقتل شعبه (بشار)، فضلا عن تراث سيئ فيما يتعلق بحرب الشيشان، وعموم المواقف من الظاهرة الإسلامية بسائر تجلياتها الفكرية والسياسية.
والمفارقة أن معسكر بشار كان له منطقه هنا، إذْ إنه كان في أوكرانيا رئيسٌ منتخبٌ، ومن الصعب تبرير الانقلاب عليه، لكنه منطق ما يلبث أن يتهاوى حين نتذكر أنهم هم أنفسهم لم يترددوا في الوقوف إلى جانب انقلاب عسكري في مصر، فيما لا يوجد انقلاب عسكري في أوكرانيا، وإنما عودة طبيعية إلى صناديق الاقتراع في ظل حياد من قبل الجيش، وإن حملت القضية بعض ملامح الانقلاب.
هنا تبدت فضيحتهم، فهم في مصر وقفوا مع مؤامرة تمثلت في شطب مجلس شعب منتخب من قبل قضاء صنعه النظام المخلوع، وشطب مجلس شورى منتخب، وعزل رئيس منتخب، وشطب دستور حاز على ثقة الشعب، ورغم ذلك كله جرى تصوير الموقف على أنه ثورة شعبية، لمجرد أن عددا لا يتجاوز مليوني شخص نزلوا إلى الشوارع بحشد فلولي طائفي في يوم واحد لا أكثر، بينما كانت المعارضة تعجز عن إخراج أكثر من 5 آلاف خلال الأسابيع التي سبقت ذلك الموعد.
ليس هذا هو الموضوع، إذ من العبث الحديث عن الأخلاق مع قوم يقفون مع طاغية يقتل شعبه لمجرد أنه طالب بالحرية والتخلص من نظام دكتاتوري فاسد، ما يحيلنا إلى الأبعاد السياسية التي يسوقها القوم كمبررات لمواقفهم، والتي تتمثل في العداء مع الإمبريالية والصهيونية كما يدعون، أو يزعمون.
ما ينبغي أن يُقال ابتداءً هو أننا كعرب ومسلمين كنا نرحب بصعود القوة الروسية طوال السنوات السابقة، ليس لأننا نؤمن أن بوتين يساند قضايانا، وإنما لسبب بسيط هو قناعتنا بأنه صعود يكرس حالة التعددية القطبية في المشهد الدولي، إلى جانب الصين والهند والبرازيل، فيما يدرك المعنيون أن الأحادية القطبية كانت وبالا علينا في هذه المنطقة تحديدا، بل وبالا على سائر المستضعفين في الأرض.
حدث ذلك رغم أن روسيا (بوتين) لم تكن في سياستها حيال القضية الفلسطينية سوى نسخة عن المواقف الغربية (هي عضو في الرباعية الدولية ذات الشروط المعروفة، والمواقف المحسومة ضد المقاومة)، كما أن موقفها كان عدائيا مع الظاهرة الإسلامية كما أسلفنا، ولنا تراثنا السيئ معها في الشيشان.
خلال الأعوام الأخيرة بدا أن روسيا قد وضعت نفسها في موضع العداء مع غالبية الأمة، بخاصة في موقفها السلبي من ربيع العرب، إلى جانب موقفها السيئ في النزاع السوري، والأهم وقوفها ضد كل الإسلاميين، وصولا إلى دعمها الانقلاب العسكري في مصر. وما يمكن قوله هنا، هو إن هذه السلسلة من المواقف قد وضعت روسيا في مزاج عداء مع غالبية الأمة لم يُعرف على هذا النحو سوى أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان، مع أن الوضع الراهن يبدو أكثر وضوحا.
المصيبة أن الأطراف الأخرى الطائفية والحزبية تتعامل مع روسيا كما لو كانت الاتحاد السوفياتي، وليست دولة رأسمالية إمبريالية (في سوريا تدفع إيران الكلفة، وتكتفي روسيا بالبيع والقبض)، ويتجاهلون وهم يرفعون شعارات المقاومة والممانعة أن مواقف روسيا من فلسطين ليس أفضل من مواقف أميركا، وعلاقتها بالكيان الصهيوني لا تقل حميمية عن أميركا وأوروبا.
لأجل ذلك كله، بدا موقف جماهير الأمة منحازا ضد روسيا، والسبب الأهم هو الموقف من سوريا، رغم أن أميركا ليست مع الثورة، بدليل أنه لولا ضغوطها لمنع تزويد الثوار بالأسلحة النوعية، بخاصة مضادات الطيران، ولما كان لجيش بشار ولا لطيرانه أن يعربد كيف يشاء، ولا تسأل بعد ذلك عن مواقف بوتين من الإسلام والإسلاميين وربيع العرب، فضلا عن علاقته بالكيان الصهيوني. كل ذلك لا يبدو مهما في عرف طائفيين ويساريين لم يعودوا يرون الدنيا إلا من زاوية كراهيتهم للإسلام السياسي السني، بل للإسلام بالنسبة لبعضهم، إلى جانب الانحياز لنظام بشار.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.