صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رشيد طليع وقصة الأشراف

0

أمضيتُ الأسابيع القليلة الماضية في قراءة كتب متعلقة بتاريخ المنطقة، والمرحلة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن، لدواعٍ بحثية. فأعدت قراءة كتاب “قصة الأشراف وابن سعود” (دار الورّاق، بيروت، 2008) للباحث العراقي المعروف د. علي الوردي. وقرأتُ كتاب “سجّل: أنا رشيد طليع (سيرة ومصير)”، لمنذر محمود جابر (مؤسسة التراث الدرزي، 2008).
بالرغم من أنّ العنوانين يوحيان بموضوعين مختلفين، إلاّ أنّ الكتابين يتقاطعان في تسليط الضوء على “اللحظة التاريخية” ذاتها، في فصول كثيرة منهما، وهي لحظة الثورة العربية الكبرى، وما تلاها من تحولات وتطوّرات مكثّفة وعديدة في المشرق العربي، والحكومة الفيصلية في سورية، إلى حين واقعة ميسلون 1920، ثم الثورة السورية؛ وخلال ذلك بدايات تأسيس إمارة شرق الأردن، ودور قيادات حزب الاستقلال السوري، في مقدمتهم رشيد طليع.
كتاب “قصة الأشراف” لعلي الوردي، وهو كما يعرف أصدقاؤنا الأكاديميون باحث موضوعي رصين، يسرد تفاصيل مهمّة وعميقة، بلغة جميلة سلسة موضوعية، عن المرحلة التي سبقت الثورة العربية، وعن تطوّر دور الهاشميين في الحجاز خلال القرون الأخيرة، وصولاً إلى الشريف الحسين بن علي، ومراسلاته مع ماكماهون، وتفاصيل الصراع التاريخي بين الهاشميين والوهّابيين والسعوديين، والمفاوضات الشاقّة لابني الشريف الحسين، فيصل وعبدالله، مع الإنجليز والفرنسيين، وحكومة الأمير فيصل في الشام، ثم الملابسات التي سبقت معركة ميسلون، وربما الوصف الأدق لها هو “مجزرة ميسلون”. وكذلك تفاصيل النقاشات والسجالات السورية بين المجموعات المختلفة بشأن خيار التعاطي مع الفارق الحاسم في القوّة بين فرنسا والقوات السورية المحدودة خلال تلك الفترة.
أمّا كتاب “رشيد طليع”، فيتناول إحدى أبرز الشخصيات السياسية العربية خلال الأيام الأخيرة من الدولة العثمانية، وفي السياسات اللبنانية والسورية والأردنية؛ فهو ابن لبنان، درس في الآستانة في مدرسة أبناء العشائر هناك، وتولّى مواقع إدارية متعددة في سورية، ثم أصبح بمثابة وزير للداخلية في عهد الحكومة السورية، وصولاً إلى ترؤسه أوّل حكومتين أردنيتين، مع فريق كبير من قيادات حزب الاستقلال السوري (امتداد جمعية “سورية الفتاة”)، قبل أن يعود، لاحقاً، إلى سورية وجبل الدروز، ليشارك في قيادة الثورة السورية ضد الفرنسيين، وتوافيه المنيّة هناك.
في كتاب “رشيد طليع” إضاءات عميقة وواسعة على المرحلة الأولى من عهد الإمارة، وعلى النقاشات بين الأمير (الملك) عبدالله الأول ورئيس حكومته (صاحبنا) والمعتمد البريطاني، وعلاقة الكيان السياسي الجديد بالأطراف والبنى الاجتماعية، وحيثيات انتفاضة الكورة بزعامة كليب شريدة، والدور السياسي لعلي خلقي، ودور قيادة حزب الاستقلال السوري في تلك المرحلة، وعلاقتهم بالقيادات السياسية الأردنية حينها، مثل علي خلقي وحديثة الخريشة وصايل الشهوان وغيرهم.
بالضرورة، هناك مئات الكتب والمصادر العربية والغربية، والعديد من الكتب الأردنية لمؤرخين أردنيين، مثل علي محافظة وسليمان الموسى ومحمود عبيدات، ومذكرات الملك عبدالله الأول، ومذكرات غلوب باشا، والتي تناولت هذه الحقبة المهمة والأساسية في تاريخ المنطقة والدولة الأردنية. لكنّ المهم هو أن نعيد قراءة تلك المرحلة ودراستها وتحليلها، لبناء رؤية موضوعية عميقة دقيقة بشأن التطورات التاريخية، والاستفادة مّما فيها من دروس وتجارب وخبرات مهمة فيما نواجهه اليوم من لحظة تاريخية، شبيهة، مرتبكة ومربكة!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.