صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الحوار الوطني وقانون الانتخابات

0

تجربة الحوار الوطني قبل عامين كانت تحمل بعض الدلالات الإيجابية، وهي تمثل رصيداً جيداً للمجتمع الأردني، يمكن الاستفادة منه والبناء على بعض الإنجازات التي شارك في إخراجها طيف واسع من المكونات السياسية والنقابية والاجتماعية، من أجل مواصلة الاستمرار في مشوار الإصلاح الطويل، الذي ينبغي ألاّ يتوقف.
هناك عدة نقاط إيجابية تستحق التوقف عندها، ومن ثم الشروع في عملية تطويرها وتحسينها نحو الأفضل منها:
الأولى تتمثل بمبدأ الحوار نفسه، واعتماده طريقاً صحيحاً نحو تحقيق مزيد من التوافق ومزيد من تقريب المسافات بين الفرقاء، وتقليل حدة الخصام والتوتر بين الأطراف السياسية الفاعلة، والتركيز على الثوابت الوطنية التي تقتضي تحقيق الاجماع الوطني حولها، وقد كانت الديباجة التي نشرت في ملف الحوار، نموذجاً يحتذى في هذا السياق، ويمكن الذهاب إلى مأسسة الحوار الوطني، مع إدخال بعض التحسينات على طريقة التشكيل والاختيار، وجدولة القضايا الحوارية، ويمكن الاستفادة من تجربة دولة طاهر المصري في هذا الشأن، حيث استطاع قيادة هذه التجربة بنجاح بما يملكه من هدوء ورويّة ومرونة وقدرة على التوفيق بين الأطراف.
النقطة الإيجابية الثانية تتعلق بمسألة الانتخابات، والتي تمثلت بإيجاد الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، حيث يعد ذلك انجازاً وطنياً كبيراً، يستحق التقدير، مع تقويم التجربة الأولى التي تمت على هذا الصعيد، ومن ثم إدخال بعض التطويرات والتحسينات على أداء الهيئة، لتصبح مؤسسة وطنية دائمة تحظى باحترام كل السلطات، بعد تزويدها بالكوادر، والأدوات التي تمكنها من أداء عملها على الوجه الأكمل، وحسب ما أعلم أن رئيس الهيئة السابقة ( معالي الدكتور عبدالاله الخطيب) أعد تقريراً علمياً مطولاً حول تجربتها، مدعوماً بالخبرة ومعتمداً على الممارسة العملية الميدانية الحثيثة، التي تستحق التثمين.
النقطة الأخرى تتعلق بإقرار القائمة الوطنية، من حيث المبدأ، وإن كان هذا الموضوع ما زال بحاجة إلى مزيد من الحوار ومزيد من التوافق حول كيفية التعامل مع القائمة وتشكيلها وعددها وشروطها.
تجربة القائمة الوطنية في الدورة السابقة بحاجة إلى تقويم ودراسة مستفيضة، حيث تم تخصيص (27) مقعداً للقائمة، وتم السماح لعامة المواطنين بتشكيل القوائم دون قيود أو شروط، ولذلك تم تشكيل (62) قائمة خاضت التنافس على مقاعد القائمة، وقد حصلت إحداها على ثلاثة مقاعد، وحصلت قائمتان على مقعدين لكل منهما، بينما حصلت بقية القوائم الفائزة على مقعد واحد لكل قائمة، مما يعني فوز (23) قائمة بـ(27) مقعدا .
كانت تهدف القائمة عند إقرارها إلى لفت أنظار الناخبين إلى البرامج السياسية في عملية الاختيار، وعدم الاقتصار على معيار القرابة والعشيرة والجهة والإنتماء الضيق في عملية الانتخاب، كما تهدف القائمة إلى إيجاد كتل برامجية داخل مجلس النواب؛ لها فكرها ورؤيتها السياسية والاقتصادية، من اجل تحسين أداء مجلس النواب السياسي.
ولكن بالنظر إلى الأهداف التي تم الحديث عنها، ومقاربة ذلك بما تحقق من نتائج، فنجد أن هناك فشلاً ذريعاً في تحقيقها أو تحقيق أي نسبة متدنية منها، فلم نحصل على كتل برلمانية، ولم نحصل على برامج سياسية، ولم يتم رفع سوية أداء الناخبين، مما يحتم علينا جميعاً إعادة النظر في القائمة وشروطها وعددها وطريقة تشكيلها.

حتى يتم تحقيق الأهداف السابقة لا بدّ أولاً من زيادة عدد مقاعد القائمة، بحيث تصل إلى النصف ولا تقل عن الثلث في المراحل الأولى، وذلك من أجل الشروع إلى تشكيل الكتل داخل المجلس التي تحمل برامج سياسية ورؤى سياسية واقتصادية ناضجة، وهذا ما تم التوافق بشأنه في الحوارات التي جرت على صعيد الأحزاب السياسية، وعلى صعيد جبهة الإصلاح الوطني، التي سبقت الانتخابات.
أما الأمر الثاني، فينبغي أن يتم تحديد نسبة محدودة من الأصوات، لا بد للقائمة أن تتجاوزها من أجل أن تحظى بالتمثيل داخل البرلمان، وهذا نظام معتمد في معظم الدول الديمقراطية مثل حاجز (5%) أكثر أو أقل قليلاً، بحسب مايتم التوافق عليه، وذلك من أجل تقليل بعثرة الأصوات والمقاعد وتفتيت الكتل، بحيث يقتصر التمثيل على من يستطيع تخطي هذا الحاجز، وهذا الشرط ربما يجد معارضة من القوائم الصغيرة التي لا تستطيع تحقيق هذا الرقم أو أنها لا تثق بنفسها في تحصيل هذه النسبة، ولكن ذلك يعد أمراً ضرورياً، إذا لا يعقل لحزب أن يتصدى لإدارة الدولة ولا يستطيع الحصول على ثقة 5% من الناخبين .
الأمر الثالث المتعلق بالخوف من استحواذ العاصمة وما حولها على القوائم في ظل الازدحام السكاني، وهذا يمكن معالجته عن طريق جعل القوائم على مستوى المحافظات أو الأقاليم، بحيث يتم ضمان توزيع مقاعد القوائم على كل مناطق المملكة ومحافظاتها بعدالة، فيمكن تقسيم المملكة إلى ثلاثة أقاليم اقليم الشمال، واقليم الوسط، واقليم الجنوب، ويكون هناك حسبة محددة لتوزيع البواقي.
أما الأمر الآخر الذي يجب انضاجه المتعلق بتوسيع الدائرة الانتخابية في موضوع المقاعد الفردية، من أجل مواجهة ظاهرة المال السياسي، ومن أجل مواجهة ظاهرة تفشي الولاءات الضيقة التي أضرت بالمجتمع وأضرت بالواقع السياسي وأضرت بالدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.