صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سؤال الأرجيلة

0

استحدث موقع “الغد الإلكتروني”، بحلته الجديدة، زاوية جديدة تحت اسم “شارك برأيك”؛ تتيح لجمهور الموقع إبداء رأيه في قضية مصاغة على شكل سؤال. وكان سؤال الأسبوع الأول حول رأي الناس بقرار أمانة عمان منع الأرجيلة في المطاعم والاستراحات.
متصفح الموقع الإلكتروني سيلاحظ مثلنا حجم الردود التي تدفقت على السؤال. فقد حظيت القضية المطروحة بدرجة غير مسبوقة من التفاعل، وتدافع القراء بالعشرات للإجابة عن السؤال، في إشارة أكيدة على مستوى الاهتمام الشعبي بالموضوع.
كنا نتساءل مع زملاء في الصحيفة: ماذا لو كان السؤال عن خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو عن مؤتمر “جنيف 2” الخاص بسورية؛ هل كنا سنشهد تفاعلا بنفس الدرجة، أم أن الأرجيلة تبقى فوق كل اعتبار؟
تباينت تقديراتنا. لكن من كان منا متحمسا للقضايا الكبرى، وأنا منهم، لم تصمد حجته وقناعته أمام سيل التعليقات المتدفق على “سؤال الأرجيلة”.
عدت بالذاكرة إلى الوراء قليلا. فقد طرحنا من قبل، في زوايا مماثلة، أسئلة تتعلق بالشأن العام، والسياسي منه على وجه التحديد. بصراحة، كان مستوى التفاعل متواضعاً للغاية؛ بضعة تعليقات من قراء تشغلهم الهموم القومية والقضايا الكبرى، بينما “الجمهور الغفير” مر على أسئلتنا مرور الكرام، وبعضهم لم يلتفت حتى لوجود الزاوية من أصلها.
في حالتنا الأخيرة، وأعني “سؤال الأرجيلة”، فما إن تنسّم المتصفحون رائحة “التنباك”، حتى هبوا لقول كلمتهم، بين مؤيد لقرار المنع ومعارض شرس له. وهكذا، اشتبكت الجماهير في حوار إلكتروني صاخب، فاق في تفاعله وعمقه ما شهدته البلاد من حوارات وطنية حول الإصلاح وقانون الانتخاب، وتعديل الدستور. وتجاوز في حدوده سجال النخب السياسية والبرلمانية حول “خطة كيري”، وحقوق أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، والتجنيس والتوطين، وما شابه من قضايا يفني الساسة والمهتمون سنوات عمرهم في مناقشتها.
من سؤال “الغد”، تبين أن الجمهور في واد آخر غير وادي السياسيين والإعلاميين. وليس مطلوبا من الساسة ووسائل الإعلام أن “ينزلوا” في مستوى اهتماماتهم إلى ما يهم الجمهور العريض من الناس. لكن، في الوقت نفسه، يتعين على النخب أن لا تفرض على عموم الناس مشاركتها في القضايا الكبرى. في بلدان العالم كلها، لا ينشغل الناس بالقضايا السياسية إلا في أوقات الانتخابات، لاختيار مرشحيهم للبرلمان. وبعد ذلك ينصرفون إلى أعمالهم تاركين السياسة لأصحابها.
في العالم العربي الوضع مختلف؛ فالسياسة مهنة عامة يشتغل فيها كل الناس، ويفتي في شأنها العالِم والجاهل على حد سواء. ومع ذلك، لا يكون للناس رأي في محصلة الأمر.
الأردنيون، على ما يبدو، سئموا السياسة والسياسيين، ولا يكترثون للقضايا الكبرى. التيار العام فيهم يقف في المنتصف؛ لا مع هذا ولا مع ذاك. اهتمام الأغلبية يتركز على القضايا المعيشية المباشرة، وما يتصل بها من تشعبات تطال مصالحهم المباشرة؛ كم واحدا من الناس تابع مناقشات الموازنة العامة في البرلمان؟ السؤال الذي يحرك الأغلبية في مثل هذه المناسبات هو: “في زيادة على الرواتب؟”.
وكما تلاحظون، “نَفَس أرجيلة” حرّك شارعا عريضا، فيما “نَفَس” الأغلبية ينقطع تماما عندما يتحول النقاش إلى القضايا الكبرى.
في أسابيع مقبلة، ربما يطرح “الغد الإلكتروني” أسئلة حول قضايا من الوزن السياسي الثقيل. أرجو أن تتابعوا معنا مستوى التفاعل، لتلمسوا الفرق في الاهتمامات بين النخب والجمهور.

fahed_khitan@

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.