صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رسالة عمان بعد«9» سنوات: ما هو المطلوب؟

0

في أوج الهجمة على “الاسلام” اثر احداث سبتمبر التي اتهمت “القاعدة” بتنفيذها في امريكا، كان لابد من رد عربي واسلامي لتقديم صورة صحيحة عن الاسلام ونفي تهمة “الارهاب” عنه .

من هنا خرجت “رسالة عمان” ، حيث انطلقت الفكرة من الملك شخصيا ، وتم اعدادها من قبل عدد قليل من الشخصيات الاسلامية ، وكان الهدف منها – كما جاء في مقدمة الرسالة – مصارحة المسلمين والعالم بحقيقة الاسلام ، والاشارة الى مضامينه او عناوينه الاساسية التي تشكل “اجماعا” لدى المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الفكرية ، وقد تزامن مع اعلان الرسالة تنظيم مؤتمر دولي لاقرار ما انتهت اليه شارك منه نحو (190) عالما من مختلف العالم وتبنى مسألتين مهمتين: احداهما تعريف من هو المسلم، والاخرى ضبط الفتوى وتحديد شروطها.

كان ذلك قبل نحو تسع سنوات، وكان مفهوماً ان الرسالة لا تختزل الاسلام وانما تعبر عن “صورته” الصحيحة، وانها وليدة ظرف تاريخي له ظروفه واستحقاقاته، وان “تسييسها” يضر باهدافها، وبالتالي فقد جرى ترجمتها الى معظم لغات العالم وتم نشرها على اوسع نطاق، وتبنت وزارة الاوقاف التعريف بها من خلال عقد دورات تستقطب الائمة والخطباء في العالم الاسلامي، كما ألفت العديد من الكتب حولها، واخيرا نفذ المعهد الملكي الديني مشروعاً بدعم من الاتحاد الاوروبي، لنشر مضامينها سواء من خلال الاعلام او المنابر او الجامعات والمدارس والمجتمع المحلي وفي الخارج ايضا.

كان لا بد من التذكير بهذه الخلفية التاريخية من رسالة عمان للاشارة الى عدة ملاحظات:

اولاها: ان رسالة عمان -كما ذكرنا سلفا- جاءت في سياق تاريخي مفهوم، وقد شهد عالمنا العربي منذ انطلاقها تحولات واحداثاً كثيرة، واصبح من الواجب اعادة النظر في مضامين هذه الرسالة لكي تواكب هذه التغيرات، من خلال الاجابة على اسئلة “الاولويات” الجديدة التي داهمتنا، وفي مقدمتها قضايا مهمة مثل قضية الحكم والدولة والحرية والتغيير وغيرها.

الملاحظة الثانية: ان رسالة عمان تزامن اصدارها مع نشاط ملموس على الارض، حيث شكلت آنذاك ارضية لحوارات اسلامية اسلامية واخرى بين المسلمين والمسيحيين، وتم توظيفها بشكل ايجابي لتحقيق “تقارب” بين المذاهب الاسلامية وبين العالم الاسلامي والغرب، ولكن هذا الجهد توقف للاسف، واصبح الاهتمام “بالرسالة” في الجانب “التعريفي” فقط، مع ان الظرف الحالي الذي يشهد حالة من الصراع الطائفي والمذهبي بحاجة الى “احياء” هذه الرسالة عملياً.

الملاحظة الثالثة: ان رسالة عمان ظلت تدور في “اطار” رسمي ، تولته وزارة الاوقاف، وكلفها كما يقال نحو (50) مليون دينار، لكنها لم تنطلق -كما هو مفترض- في المجتمع، ولم ينجح القائمون على نشرها في “جمع” شتات الجسد الاسلامي الداخلي، بتياراته وحركاته، لتكون الرسالة “ملهمة” لهم، ويكونون من “الفاعلين” في تبني مضامينها ونشرها.

الملاحظة الرابعة: ان رسالة عمان قدمت في المناهج الدراسية بشكل “قسري” وخاصة في كتب التوجيهي، وبدل ان يقبل الطلبة على قراءتها برغبتهم وقناعتهم، وان يتأثروا بمضامينها، فانهم “نفروا” منها بسبب “الزامهم” بحفظ عشرات، ان لم نقل مئات النقاط حولها/ لضمان نجاحهم في المادة المقررة، واعتقد انه حان الوقت لطرح هذه الرسالة في المناهج الجامعية بصورة اخرى، وبمضامين تتناسب مع وعي الطلبة مع التغيرات التي حدثت في عالمنا الاسلامي، وباساليب تجذب الطلبة “للفهم” والاستنارة لا للحفظ فقط.

الملاحظة الخامسة: ان الدورات التي تعقدها وزارة الاوقاف لنشر رسالة عمان – واعتقد انها تجاوزت العشرين دورة -اصبحت بحاجة الى اعادة نظر، سواء في المضامين او المشاركين او المحاضرين، ومع انني لا اعرف فيما اذا كان قد جرى تقييم هذه التجربة الا انه لا بد من فعل ذلك ولا بد ايضا من تحديد المستهدفين من هذه الدورات ومدى “الفائدة” والجدوى لا سيما وان تكلفة مثل هذه الدورات -وهي مرتفعة جدا- يمكن استثمارها لنشر الرسالة بوسائل اخرى.

الملاحظة الاخيرة: ان اهم مجال نحتاجه لنشر رسالة عمان هو “المجال” الديني في مجتمعنا، واقصد تحديدا مجال “المساجد” والمنابر، ومع الاحترام لدور وزارة الاوقاف وغيرها من مؤسساتنا الدينية، الا ان خطابنا الاسلامي- الرسمي وغير الرسمي- ما زال بعيدا عن مضامين رسالة عمان، لا سيما المنابر وخطب يوم الجمعة، وبالتالي فان جهودنا يفترض ان تنصب على ابراز نموذج “رسالة عمان” داخلياً، بحيث يتطابق النظري مع العملي، وبحيث يصبح من الميسور على جمهور المتدينين وغيرهم ان يروا رسالة عمان تمشي على الارض، لا في الندوات والمؤلفات فقط.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.