صحيفة الكترونية اردنية شاملة

دعاة التويتر.. كفاكم هراءً

0

ساهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات القليلة الماضية في سطوعِ نجمِ عددٍ ممن يُسمون أنفسهم بـ “الدعاة” الذين ركبوا تلاحق موجاتِ السطحية والتعنّت والغرور المتأتية من تنامي قاعدة المتابعين لطروحاتهم وفتاواهم حيال عدد من القضايا اليومية الناشئة.
ويعزف غالبيةُ أولئكِ أحياناً على وتر تأجيج مشاعر العامة حيال فصيل أو طائفة أو دولة،، في أحيان أخرى يلجؤون لاستثمار غياب الوعي لدى الشريحة الأكبر من الناطقين بالعربية، عبر غرس مفاهيم وقناعات مغلوطة ومتطرفة استباحت بلادنا التي تتفرد عن قريناتها بتواجد زهاء 100 مليون أميّ لا يجيد القراءة والكتابة، إضافة لعدد مماثلٍ ممن يعانون من الأمية الثقافية والمعرفية والمنهجية.
وقد شارك أولئك الدعاة بشكل فاعل في الأزمات التي ما تنفك تحاصر هذه الأمّة، وذلك حينما أحيل إليهم تأدية مهمتين رئيسيتين من قبل الأطراف التي تتولى تسمينهم مالياً.
أولاهما تتجسد في المثابرة على بناءِ جيلٍ متشددٍ متصلّب ليس لديهِ الحدُ الأدنى من سِعة الأفق وقبول الآخر، فيما تتمحور الثانية حول تجميل صورة الأنظمة السياسية التي يعملون وفق أهوائها، بالتزامن مع سعيهم الدؤوب للعثور على التسويغ الفقهي الكفيل بشرعنة طيش وتهور وظلم تلك الأنظمة لرعاياها أو محيطها، مسقطين أنفسهم في مستنقع التناقض الصارخ، فما قد يجيزون فعله في موقف ما، قد تجدهم يفتون بتجريم وتكفير مرتكبه في موضع آخر!!.
وفي خضم استمرار حالة الغفوة في العالم العربي، فقد استطاع نفرٌ قليل من أبنائه إدراك الدور غير البنّاء الذي يقوم به بعضُ أولئك الدعاة في رسم خارطة حاضر الأمة ومستقبلها، كما أنهم أدركوا أن فضيلتيّ التأمل والتفكُّر اللتين ميّز الله الإنسان بهما عن سائر مخلوقاته، تغنيه عن هذه النوعية من الدعاة الذين أوشكوا على تنصيب أنفسهم في موضع الوسيط بين العبد وخالقهِ الذي قال في مُحكم تنزيله “ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”.
*أولئك الدعاة الذين ينتشرون بشكلٍ مكثفٍ ودائمٍ على منصات التواصل الاجتماعية التي صُممت وصُنعت في الولايات المتحدة، هم أنفسهم الذين دعوا لمقاطعة المنتجات الأميركية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤالِ عن نوعيةِ الطائراتِ التي تُقلّهم في رحلاتهم الخارجية المُتعددة، أهي “بوينج” المصنوعة في سياتل الأميركية؟ أم “إيرباص” القادمة من تولوز الفرنسية؟.
* أولئك الدعاة أصحاب لم يُكلفوا أنفسهم أيضاً عناءَ إبداء رأيهم حيال الجزية المالية التي تفرِضها الولاياتُ المتحدةُ على بلادهم ونظيراتها، لكنهم في الوقت ذاته يمتلكون زمامَ القدرةِ على الدعاء على الأميركيين بأن يلقوا صنوف العذاب تزامناً مع موجة الأعاصير التي تجتاح فلوريدا وغيرها حالياً.
* هؤلاء الدعاةِ لم ينبروا قطّ للتصدي لمهمةِ الضغط على الأنظمة السياسية التي يمثلونها لتحسين أحوال المستضعفين في البلادِ العربية والإسلامية، ممن يفتك بهم القتل (سوريا وميانمار) والكوليرا (اليمن) والحصار (القدس وغزة وغيرهما)، لكنهم لم يجدوا ضيراً في المسارعة إلى إصدار بيانٍ فوريٍّ تزامن مع إطلاق لعبة “بوكيمون جو” صيف العام الماضي، متهمين هذه التسلية -التي تُدار عبر الهاتف- بتسببها بإلهاء المسلمين عن أولوياتهم.
* بعض هؤلاءِ الدعاةِ حذروا أتباعهم من الدُعاء للفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا باعتباره رافضياً لا ينبغي لهم طلب المغفرةِ والرحمةِ لروحه، رغم أن الفقيد كانَ قد جاوزهم بمراحل كبيرة في تأدية رسالته التي ارتكزت على أساس النقد الموضوعي لتصرفات الأنظمة والمجتمعات العربية، دون أن يبرز منه موقفٌ واحد يدلّ على طائفيته كما يفعلون.
أرى جازماً أن الخطاب الديني -الذي ساد بلادنا خلال العقود الأخيرة- كان أحد أهم أسباب حالة الانحدار الفكري والمعرفي والنقدي الذي أفضى إليه حالنا، آملين من هؤلاء الدعاة أن يكفّوا عن دورهم الهدّام عبر “تويتر” وأخواتها بما يعوقنا عن محاولة تجسير الهوة السحيقة التي تفصلنا عن الأمم الأخرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.