صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نجاح تجربة الفيصلي تكشف سوء توظيف الموارد بالأردن

0

منحَ بلوغُ فريق النادي الفيصلي نهائي بطولة الأندية العربية، طاقةً إيجابيةً للأردنيين الذين سئموا تتالي الشحنات السلبية التي تحاصرهم في كل حين بفعل اشتداد المصاعب والمتاعب الاقتصادية التي يكابدونها في بلادٍ يبلغ نصيب كل مولود جديد فيها قرابة 4800 دولار من أصل المديونية المزمنة والآخذة في التضخم.

وبقدر الإنجاز الذي حققه الفيصلي في هذه البطولة -التي يُسدل الستار على فعالياتها في الإسكندرية مساء اليوم الأحد-، فإن هناك قدراً مماثلاً من الاحراج سيتسبب به النادي السماوي لنطاقٍ واسعٍ من المؤسساتِ الوطنيةِ التي لم تفلح في توظيف طاقاتها البشرية الكامنة ومخصصاتها المالية المحدودة للخروج بنموذج ناجحٍ يوازي ذلك الذي قدّمه نجوم الفريق الأردني في الديار المصريّة طيلة الأيام القليلة الماضية.

ولا يعني ما تقدم أنني بصدد معاتبة الأندية الرياضية الأخرى على فشلها في محاكاة منجزات الفيصلي الداخلية والخارجية، إنما يقتصر مرادي على تلمس مبررات عدم قدرة طيف واسع من المؤسسات الوطنية على ترك بصمة نجاح في مضمارها الذي تختص به وذلك على الرغم من تقارب ظروفها مع تلك التي يمر بها الفريق الذي يوشك على حصد لقب أو وصافة البطولة العربية حين يواجه نظيره الترجّي التونسي الذي ينفق ملايين الدولارات سنويا للحصول على أفضل اللاعبين المحليين والأفارقة.

لقد برهنت تجربة النادي الفيصلي الراهنة بما لا يدع مجالا للشك أن جوهر الإشكاليات المتراكمة التي تقع فيها مؤسساتنا الوطنية ويدفع ثمنها الاقتصاد الأردني، مرتبطُ بالدرجةِ الأولى بغياب القدرات التنظيمية والإدارية التي من شأنها خلق أفضل مخرجات ومنتجات وخدمات تعوّض الشح المالي المزمن الذي تعانيه البلاد منذ نشأتها.

كما دلّلت هذه التجربة التي عشناها مع الفيصلي على أن اتباع منهج تكافؤ الفرص ووضع الكفاءات المناسبة في الموضع الملائم لقدراتها هي طروحات ظلت فقط حبيسة للإطار النظري لتوجيهات وسياسات الحكومات المتعاقبة والمؤسسات الحكومية وشبه الرسمية التي تذرعت طوال سنوات بعدم تمتعها بالتمويل اللازم للارتقاء بالمهام الموكلة لها لتضحي سندا لا عبئا على اقتصاد يئن تحت وطأة مديونية شارفت على حاجز 40 مليار دولار تراكمت غالبيتها بفعل ضعف الإنتاجية والرقابة على الأداء وتوجيهه.

لم يرتبط النجاح الذي يواصل تدوينه الفيصلي بوفرة الأموال التي يتمتع بها مثلا نظيره الأهلي القاهريّ المهزوم أمامه مرتين في أكبر مدينتين مصريتين، وإنما كان ذلك متصلُ بحرص المدير الفني للفريق والقادم من جمهورية الجبل الأسود على استخراج أفضل ما لدى لاعبيه من طاقات ومواهب وتوجيهها نحو الوجهة التي تصب في صالح المجموعة برمتها، ليضع أمامنا نموذجا يمكن أن تحاكيه وتتماهى معه مختلف مؤسساتنا إن وفقت في اختيار إدارات ذات رؤية تمتلك القدرة على بناء فريق عمل مؤمن بالبذل والعطاء وما يعني ذلك من ارتفاعٍ للإنتاجية وسيادةٍ للروح الإيجابية البناءة.

خلال العقود الماضية، كان يُشار للأردنِّ في محيطه الإقليمي بكونه بلد يتمتع بأفضل مؤسسات وكوادرٍ تعليمية وطبية على صعيد المنطقة، هذه السمعة أخذت بالاضمحلال التدريجي مع مرور الوقت بفعل غياب الرؤية الكفيلة بالبناء على تلك المكتسبات بالتزامن مع توجيه المقدرات والطاقات المتاحة لتحويل المملكة لمِحج حقيقي منافس ومستقطب للطلبة والمرضى العرب وذلك بعد أن بات لدى بعض البلدان الخليجية تحديداً منشآت تعليمية وصحية مكافئة لتلك المنتشرة في عمّان التي دفعت من جديد ثمن كلاسيكية أدوات التخطيط التي تتبناها مؤسساتنا حين تقدم على استشراف المستقبل.

ولو قُدّر لنا فتح ملف فشل مؤسسات اقتصادية وطنية عانت من غياب النجاعة الإدارية رغم وفرة المخصصات والعوائد المالية اللازمة لنجاح مهمتها، فإننا لن نقف عند حدود “الملكية الأردنية” وشركات قطاعيّ التعدين والكهرباء، غير أن المرور على ذكرها يفي حاجتنا للإشارة إلى أن ارتباط نجاح وفشل أي منها مرتبطٌ ببعد أفق إدارتها واستشرافها للمتغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، إلى جانب حسن توظيف الطاقات البشرية المتاحة لديها كما أفلح بذلك نيبوشا يوفوفيتش المدير الفني لفريق النادي الفيصلي الذي نأمل أن يحالفه التوفيق مساء اليوم ليتمكن من الفوز بالبطولة العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.