صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أبوحمّور: تحول القدس لأداة سياسية صهيونية اعتداء على قدسية المدينة

عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضرت فيه د. نَسَب أديب حسين الباحثة الفلسطينية في الدراسات المقدسية والمديرة المؤسِسَة للبيت القديم/ متحف د. أديب القاسم حسين في الرامة، حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على هوية القدس (المتاحف أنموذجاً). وشارك بالمداخلات في اللقاء، الذي أداره د.محمد أبوحمور الوزيرالأسبق وأمين عام المنتدى، كل من: د. معاوية إبراهيم ممثل الأردن السابق في لجنة اليونسكو للتراث العالمي وأستاذ الآثار القديمة واللغات الشرقية، والأستاذ عبد الله كنعان أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس في الأردن، و د.عمر عبد ربه أستاذ التاريخ وعلم الآثار ومدير الدراسات المقدسية في جامعة القدس، و د.ميرفت عياش من كلية الفنون التطبيقية في جامعة النجاح بنابلس، و الكاتب الفلسطيني أ. محمود شقير، والكاتب العراقي أ. علي بدر .

ناقشت الباحثة د. نسب أديب حسين، والتي كانت قد أصدرت كتاباً هذا العام حول دور المتاحف في الصراع على هوية القدس الثقافية، الفروقات في الطروحات التاريخية الأثرية بين المتاحف الفلسطينية والإسرائيلية، حيث يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتهميش ونهب وإهمال وتغيير وتزوير وتحريف الرموز الثقافية الفلسطينية، من أجل محو الرواية الفلسطينية وترويج وترسيخ الرواية الإسرائيلية وطمس الهوية الحقيقية للقدس. كما بيّنت الباحثة طبيعة التحديات التي تواجه المتاحف الفلسطينية ومن أهمها محدودية الدعم المالي، وصعوبات الترويج، وانعدام الاهتمام بزيارتها، إضافة إلى عدم وجود رواية فلسطينية موحّدة تقوم بمواجهة الرواية الإسرائيلية التي تعمل على اختلاق أحقيّة إسرائيلية على أراضي فلسطين المحتلة.

وبيّن المشاركون من جهتهم أن الاعتداء على القدس ثقافياً يعدّ انتهاكاً لعروبتها وقدسيتها لدى المسلمين والمسيحيين، وأن هذا الاعتداء يتوافق ويتأثر بالوضعين الاقتصادي والسياسي اللذين يفرضهما الاحتلال والقوات الداعمة له. وأشار المشاركون إلى ضرورة إدراج المتاحف الفلسطينية ضمن الاهتمامات الثقافية الفلسطينية وتشجيع الجمهور والطلاب خاصة على زيارتها، نظراً لدورها المفصلي في بناء أيديولوجية الدولة وثقافتها. إضافة إلى تعزيز دعم هذه المتاحف عربياً ودولياً، والتشجيع على القيام بجولات توعوية تثقيفية حول القدس وتراثها وتاريخها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وذلك في مواجهة عمليات الأسرلة والتهويد التي تتعرض لها مدينة القدس .

التفاصيل:

أشارت الباحثة د.نسب أديب حسين إلى أن المتاحف تعد مراكز ثقافية تربوية تحفظ التراث وتنمّي روح الانتماء عن طريق الرسالة التي تقدمها، ولها دور مهم في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الثقافي على هوية القدس الثقافية، حيث تعاني مدينة القدس من محاولات التهويد المختلفة المدعّمة بالخطط والميزانيات والمواقع المناسبة للمتاحف الإسرائيلية، في سبيل العمل على تغيير الرواية والأسماء والسيطرة على المواقع لتقديم رواية تدعم الحجج الصهيونيّة .

واستعرضت د.نسب الفروقات بين ما هو مطروح في المتاحف الإسرائيلية وبين المتاحف الفلسطينية في القدس، وذلك بعرض ما جمعته من معلومات بشكل وصفي وفق خمسة معايير هي: مبنى المتحف، أساليب العرض، التواصل مع الجمهور، إمكانيات الإرشاد، ورواية المتحف. وتطرقت إلى الأساليب المتّبعة في المتاحف الإسرائيلية لتهميش الرواية العربية الفلسطينية للقدس ومنها: الانتقائية والتحريف والإهمال، والصياغة اللغوية بربط مدينة القدس بأوصاف سلبية بالعهود الإسلامية، حيث تؤثر جميعها سلباً على انطباعات الزائر وتصوّراته.

وبيّنت د.نسب وسائل تعبير المتاحف الفلسطينية عن مركبات الهوية الثقافية للقدس من الذاكرة الوطنية التاريخية واللغة والرموز والإرث الثقافي، على الرغم من عدم وجود أي تمثيل للتجربة الحياتية المعاصرة في هذه المتاحف. وذلك نتيجة التحديات التي تعاني منها المتاحف الفلسطينية في ما يتعلق بالقدرات المادية المحدودة، وصعوبة الترويج والوصول إلى شريحة واسعة من المجتمع، ويشمل ذلك زيارات المتاحف كجزء من العادات والحياة اليومية، إضافة إلى عدم وجود رواية فلسطينية موحدة في المتاحف الفلسطينية. وهنا تأتي أهمية صياغة رواية فلسطينية قوية تصدّ مزاعم الرواية الإسرائيلية المواجِهة.

وقال أمين عام منتدى الفكر العربي د.محمد أبوحمّور في كلمته التقديمية أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الثقافي يُبرِز خطورة الانتهاكات المستمرة للمقدسات الإسلامية والمسيحية من قبل الاحتلال، إضافة إلى مخاطر تحويل القدس إلى أداة سياسية تخدم المخططات الصهيونية، مما لا يعد فقط اعتداءً على المدينة وعروبتها وقدسيتها ومكانتها الدينية لدى المسلمين والمسيحيين، بل اعتداءً صارخاً على الإنسانية من حيث إلغاء طابع المدينة المقدسة كونها مدينة السلام وبوابة السماء.

وأشار د.أبوحمّور إلى ما دعا إليه سموّ الأمير الحسن بن طلال المعظم رئيس المنتدى وراعيه من ضرورة وجود نظرة عالمية للقدس تحترم الإنسان الفلسطيني والمدينة وهويتها، وتأكيد القيم التي لا تجعل هذا الإنسان هدفاً سياسياً تتكرر المآسي معه التي شهدناها على مدى السنين والعقود الماضية .

وأوضح د.معاوية إبراهيم أستاذ الآثار وممثل الأردن السابق في لجنة اليونسكو للتراث العالمي، معاناة المتاحف الفلسطينية في إيصال رسالتها بسبب التحديات التي تواجهها، وذكر أمثلة على ذلك من استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على مخطوطات البحر الميت من متحف الآثار الفلسطيني الواقع في الزاوية الشمالية الشرقية من القدس القديمة ونقلها بشكل غير قانوني إلى القدس الغربية بعد أحداث عام 1967 وإنشاء متحف خاص بها، بل وأقام مجموعة من المعارض المتنقلة حول هذه المخطوطات. عدا أن المتحف الفلسطيني الذي كان من المفروض أن يقام في أبو ديس ليطل على كامل مدينة القدس قد واجه عقبات وخلافات ويقوم الآن مؤقتاً في حرم جامعة بيرزيت.

وقال الأستاذ عبد الله كنعان أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس: إن الاحتلال الإسرائيلي سعى إلى تحويل الجانب الفلسطيني صاحب الحق والثقافة إلى طرف يواجه صراعاً ثنائياً في الاعتداء والعدوان على الثقافة العربية الفلسطينية، خاصة مع تأثر المجال الثقافي بالأوضاع والقرارات في المجالين الاقتصادي والسياسي المرتبطين به، ومن هذه القرارات التي أثرت على الهوية الفلسطينية للقدس قرار جعل القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة الأمريكية إليها . كما أن إلغاء دعم الولايات المتحدة للأنروا يؤثر على التعليم وبالتالي الثقافة. كل هذه الإجراءات وغيرها التي تُنفّذ جزءاً من صفقة القرن تقوم بإضعاف الرواية الفلسطينية العربية مقابل ترسيخ الرواية الإسرائيلية.

وأشار د.عمر عبد ربه أستاذ التاريخ وعلم الآثار ومدير الدراسات المقدسية في جامعة القدس إلى أنه من الضروري الالتفات للتراكمات الحضارية الموجودة على أرض فلسطين والمرتبطة بتبلور الهوية الفلسطينية، ومن أمثلة هذه التراكمات ضمّ متحف الآثار الفلسطيني لآثار فلسطينية كنعانية ما قبل التاريخ وحتى الآن، وهنا تبرز أهمية البحث في كيفية تقديم وعرض هذه المادة الحضارية في مختلف المتاحف، فالمادة الأثرية في متاحف الاحتلال تهمّش أي مادة مرتبطة بالتاريخ العربي الإسلامي وتصادر كل ما هو موجود قبل هذا التاريخ، مقابل تعزيز الرواية الإسرائيلية المُختَلقة.

وبيّنت د. ميرفت عياش من كلية الفنون التطبيقية في جامعة النجاح بنابلس أن الفلسطينيين من غير سكّان القدس محرومون من زيارة المتاحف، لكن مدينة القدس على الرغم من ذلك تعد متحفاً مفتوحاً، مما يشكل دعوة نحو القيام بجولات توعوية تثقيفية سواء عبر الزيارات أو من خلال وسائل الإعلام وتكنولوجيات التواصل للمحافظة على هوية القدس العربية الفلسطينية. إضافة إلى العمل على تمكين المتاحف الفلسطينية الحالية والتوجه نحو توحيد روايتها ورسالتها، ودعم الجهود والقدرات العربية والدولية لمواجهة الرواية الإسرائيلية.

وأشار الكاتب الأستاذ محمود شقير إلى الإهمال الذي يطغى على المتاحف الفلسطينية ووجودها خارج اهتمامات الحركة الثقافية الفلسطينية، والتي تركزت على الندوات والرواية والقصة والشعر والنشاط السياسي. ولذلك ينبغي تشجيع الجمهور وخاصة الطلاب على زيارة المتاحف، والتي لم يتم عرقلة دورها من قبل الاحتلال فحسب بل لم يُفعّل دورها من قِبَل المجتمع الفلسطيني . ومع ذلك فإن المتحف الفلسطيني في جامعة بيرزيت شهد نشاطاً متزايداً مؤخراً مع معرض “طُبع في القدس” الذي تطرق لتضييق الاحتلال على الإعلام والصحافة ومواد النشر العديدة وما رافق كل ذلك من رقابة.

وأوضح الكاتب العراقي الأستاذ علي بدر أن الرموز التاريخية الكامنة في المتاحف وغيرها هي الأداة الحقيقية في صراع القوى المتنافسة، لأنها تبني الشرعية الثقافية التي تؤدي حتماً إلى الشرعية السياسية وبالتالي إلى الشرعية التاريخية فيما بعد. ويتم بناء أيديولوجيا الدولة عن طريق هذه الرموز وبالتالي بناء مفهوم الأمة. وهذا ما قام به الاحتلال الإسرائيلي في عملية بناء مفهوم الأمة الإسرائيلية، حيث ربط الرموز التاريخية المتفرقة ربطاً اعتباطياً ولفق اتساقاً له، ونهب وهمّش وغيّر في جميع الرموز الفلسطينية في المقابل.

يذكر أن اللقاء اشتمل على عرض شرائح مصوّرة حول المتاحف الفلسطينية والإسرائيلية، ويمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء عبر قناة منتدى الفكر العربي على منصة YouTube، وعلى الموقع الإلكتروني للمنتدى www.atf.org.jo .

 

التعليقات مغلقة.