صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أهلا بالمطر!!

 

في بلادي كنت أعتقد أننا نفرح بالمطر ونعتبره دلالة على الخير والعطاء والحب، وكنت أظن أننا نفرح أكثر من فرحة الأرض العطشة قبل أن تُروى بحبات المطر ونستقبل المطر كما تستقبل الأم طفلها بحب وحنان، سألت طفلتي الصغيرة: “هل أنت فرحة بالمطر؟” فأجابت: “صوت الرعد أرعبني يا أبي!” فقلت: ولكن هل فرحت بالمطر، فأجابت هل تقصد الماء الذي يتساقط من السماء؟!
– نعم يا حبيبتي.
– نعم لقد شعرت بالفرحة وانا أشاهد حبات المطر وهي تتساقط بنعومة لتغسل الشوارع وأوراق الأشجار التي طلبت من الحارس أن يغسلها أكثر من مرّه؛ لأنني كنت أشعر بأن الأوراق متعبة وبحاجة للنظافة من الأوساخ التي عليها..ولكن والحمد لله.. جاء المطر ليزيل ذلك العبء الثقيل من عليها..
ضحكت كثيراً وقلت لها: نعم المطر يغسل كل شيء يا حبيبتي وحتى الأحزان.. أما بالنسبة للحارس فأنا سأراجعه بالموضوع …
وسألت بعدها سائق الحافلة المدرسية: هل فرحت بالمطر فأجاب: كلا فالمطر يشكل خطر على الجولة لأن شوارعنا غير معدّة لإستقبال المطر فتبدأ الحفر بالتكشف والطلبة بالبرد والمرض لذا فأنا لا أحب الشتاء ولا المطر، وبعد ذلك قابلت أحد أولياء الأمور فسألته هل سررت بالمطر؟ فأجاب: نعم ولله الحمد، فأنا أعمل بزيت الزيتون وقدوم المطر في هذا الوقت هو من أجل أن يكون محصولنا في هذا العام وفيرًا فهذه -الشتوه- نسميها شتوة الزيتون ينعم الله بها علينا استجابة لصلاتنا ودعائنا.. وصادفت بعدها إحدى المعلمات وسألتها هل فرحت بالمطر: فأجابت كلا!، ففي مثل هذه الأجواء توفي والدي وانفصلت عن زوجي لذا فالمطر يذكرني بأشياء لا أحبها أبداً، وسألت زميلتها التي تقف بجانبها نفس السؤال فأجابت: بل هو موسم للحب والعشق والهيام وأنا الأن بصدد كتابه قصيدة استوحيتها من جمال الجو الخلاب، أنا بانتظار ذلك الشعر بشغف … أجبت، وسرت متنقلاً بين هذا وذاك ولم أدرِ لِمَ كان عندي فضول كبير بمعرفة رأي الناس في الشتاء الذي أعشقه لأرى أن هناك من لا ينظر إليه من وجهة نظري أنا بل بالعكس هناك من يخشى منه ويكرهه فحب الشتاء إذا هو أمر نسبي كما هي كل الأشياء، فالفقير الذي يخشى البرد والعامل الذي يحصد قوت يومه يوماً بيوم وأصحاب الذكريات الحزينه المتعلقة بالبرد جميعهم يكرهون هذا الفصل والمزارع والعاشق والشاعر والأرض والشجر وغيرهم الكثير يعشقون هذا الفصل بل وينتظرونه على أحر من الجمر..
فالحياة نسبيه من جميع جوانبها هناك من يقبل عليها وهناك من ينتظر أن يغادرها في كل لحظة …وكذلك هي السعادة نسبية…
أنا شخصياً أضم نفسي لفريق عشاق الشتاء والمطر والموسيقى وفيروز ولا أستحضر في حضرة الشتاء إلا أجمل الذكريات وأمتعها وأعتبر ان الغيوم تبكي فرحاً وليس حزناً -كما يقول البعض- والقطرات تركض لمعانقة الأرض كما العاشق الذي يركض نحو من يحب…
هو المطر، الطفولة وإشعال النيران على الجبل وشوي أو حرق البطاطا والبصل وإبريق الشاي مع رفيقي الدكتور علاء الرواد… والاختباء تحت مظلات محال الشوارع وانتظار الثلج طيلة الوقت، وترقب هل غداً عطلة أم دوام بشوق ولهفة…
ومراقبة الجبال القاحلة وهي تخضّر شيئاً فشيئاً، ثم موسم البابونج والعكّوب والدحنون الذي كان يملأ منطقتنا هو والأزهار الغريبة أهلا بالمطر… أهلاً بالشتاء…
وأهلاً بالذكريات الجميلة والسعيدة فقط
الذكريات السعيدة والسعيدة فقط

التعليقات مغلقة.