صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أخطأتم العنوان!

0

أحد أهم الأسئلة التي برزت خلال الأيام الماضية هو: لماذا اختار تنظيم “داعش” قتل الشهيد معاذ الكساسبة، بدلاً من الدخول إلى باب التفاوض؛ إذ كان الطيار الشهيد بمثابة ورقة مهمة للتنظيم، يمكن أن يستثمرها إلى أبعد مدى في المستقبل؟!

الجواب هو أنّ “داعش” انحاز إلى استراتيجيته التقليدية في الحرب النفسية والإعلامية؛ ففضّل رسائل الترهيب والتخويف، عبر ابتكار أكثر الأساليب دموية وإيلاما؛ هذا أولاً. وثانياً، لأنّ الصوت الأيديولوجي المتشدد طغى على المزاج العام لأنصاره، منذ أن تمّ أسر معاذ.

الرسالة الثاوية، إذن، وراء هذا المشهد الدامي في اغتيال معاذ، تتمثّل في ترهيب الرأي العام الأردني، ومن ورائه قوات التحالف والغرب، وتأليب المجتمع على الدولة بدعوى أنّ هناك معارضة داخلية لمشاركة الأردن في تلك الطلعات الجوية، وسيحمّل الرأي العام الدولة مسؤولية ما حدث مع معاذ. وربما توقّع التنظيم من وراء هذه الفعلة أن يقسم الناس ويخلق حالة من الأزمة الداخلية الممتدة.

ذكرنا سابقاً أنّ “داعش” لا يهتم بالشعبية ولا بالرأي العام عادة، وأنّه قلب الرسالة الإعلامية رأساً على عقب؛ إذ جعل عامل التوحش والقوة والترهيب هو الرئيس والفاعل، بعكس الخطاب العربي والإسلامي القائم، عادةً، على رواية المظلومية والاستضعاف.

لكن هذه الرسالة الإعلامية وصلت العنوان الخطأ تماماً، فجاء المردود عكسياً في مشهد اغتيال معاذ. إذ على صعيد الرأي العام الأردني، سادت مشاعر الغضب الشديد ضد هذه الجريمة، وليس الخوف والهلع؛ فلم يأتِ ما يوحّد الأردنيين اليوم منذ عقود طويلة، مثلما وحّدهم معاذ فعلاً في مشاعرهم ضد التنظيم، ومع الدولة والوطن.

أخطأ “داعش” العنوان، ووجه الرسالة المقلوبة بالنسبة للمواطنين، وخسر المعركة والصورة، بل وقلب الموقف الوطني تماماً. فبعد أن كان هناك نقاش وسجال داخليان حادّان حول الانخراط في الضربات الجوية، تحول المزاج العام إلى دعوة عارمة بضرورة الرد على هذا الاعتداء؛ دفاعاً عن الكرامة الوطنية الأردنية، التي جُرحت في الصميم بهذا المشهد العدمي.

مهما كانت الاختلافات والتباينات ووجهات النظر والمشاحنات بين الأردنيين، وحتى إن صعدت النزعات الأولية وارتفعت الهويات الفرعية في أزمات معينة؛ إلاّ أنّ المشاعر الوطنية أكبر وأعمق، وحب الأردن يؤطّر الجميع، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من كل الجهات والتوجهات السياسية والثقافية والاجتماعية.

صحيح أنّ الأردن ليس دولة ديمقراطية ناجزة؛ فنحن نناضل من أجل الوصول إلى هذا الحلم. لكنّنا، في المقابل، لسنا نظاماً دموياً، ولا طائفياً، ولا أحادياً قمعياً، ولا مغلقاً حديدياً، حتى يهرب الجيش المهزوم نفسياً من ساحة المعركة، ويصبح المجتمع أشلاء وفصائل متصارعة. الأردن حالة مختلفة تماماً عمّا عاينه التنظيم سابقاً!

وإذا كان “داعش”، بهذا الأسلوب الهمجي، يزعم أنّه يدافع عن السُنّة العراقيين والسوريين وجودياً، فإنه في الواقع يدخلهم في صدامات إقليمية وصراعات، ويشوّه صورتهم، وهو أكثر من يضرّ بقضيتهم العادلة المحقّة، ما تكرّس الآن مع جريمة اغتيال معاذ بهذه الطريقة.

السُنّة في العراق وسورية يشعرون بقلق شديد وهم يرون “داعش” يزجّ بهم في حروب مع المحيط السُنّي العربي، وستتلاشى روايته في الدفاع عن المجتمع السُنّي، التي يستثمرها للتجنيد والدعاية. وقد صُدمت أغلب المجتمعات والشعوب العربية والعلماء والفقهاء والحركات الإسلامية من الجريمة البشعة غير المسبوقة بحق الشهيد معاذ؛ فالتنظيم دفع بنفسه إلى طريق مسدودة، ووضع الأردن والأردنيين في مواجهة مباشرة عميقة معه، وقدّم خدمة تاريخية للنظام الإيراني والسوري والميليشيات الشيعية. وهو ما أصبحت أغلبية الفصائل والقوى والشرائح السُنّية في العراق وسورية تدركه تماماً اليوم.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.