صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الكهرباء والفيزياء والسياسة

0

يبدو أن هناك إصرارا حكوميا على الاستمرار في قرار رفع تعرفة الكهرباء رغم الرفض النيابي والشعبي المتصاعد، ورغم التحولات المستمرة في اسعار النفط العالمي التي قلبت الفرضيات التي وضع على اساسها مشروع الموازنة، ورغم أن حجم العائد الاقتصادي على شركة الكهرباء والخزينة لا يساوي بأي تقدير الثمن السياسي والاجتماعي قبل الاقتصادي الذي قد يدفعه المجتمع والدولة جراء هذا القرار.
تستند الحكومة في إصرارها العجيب على المضي في قرارها على خبرة سابقة ومتكررة في القدرة على تمرير قرارات اقتصادية صعبة وقاسية وبعضها اقسى من قرار الكهرباء الحالي دون ان تلجأ الى تقديم اي تنازلات سواء للنواب او لقواعدهم الشعبية، وعلى اقل تقدير خلال العام الماضي فقد مررت قرارات غير شعبية منها رفع اسعار المحروقات وتحرير اسعار اسطونات الغاز ورفع تعرفة الكهرباء للمرة الاولى وصولا الى دراما تمرير قانون ضريبة الدخل الاخير، وجميعها مرت من تحت القبة ومررها المجتمع، وهذه المرة يبدو ان التصور الذي يبرر من خلاله صانع القرار هذه الخطوة يستند الى ان التعرفة الجديدة لن تمس بشكل مباشر الشريحة العريضة من المستهلكين، بل تصيب كبار المستهلكين وتصيب تحديدا قطاعي الصناعة والسياحة. ويتجاهل هذا التبرير حجم هذه الضربة على الاقتصاد الكلي الوطني.
المشكلة في أن ضربة الكهرباء القادمة ليست مباشرة ولن تأتي من التيار المتدفق في الاسلاك بل من تيار كُلف الحياة ومعظم السلع التي ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بالكهرباء، وفي تراجع القدرات الاستثمارية في قطاعات حيوية تعد من اكثر القطاعات قدرة على التشغيل وتوفير فرص العمل، حيث تذهب التقديرات إلى أن رفع تعرفة الكهرباء سوف تخرج خلال العام الاول نحو الف شركة ومنشأة صناعية من السوق ما يعني فقدان نحو (10) آلاف فرصة عمل وتحول من شغلها الى طوابير البطالة.
هذه المرة الثانية التي سترفع بها الكهرباء خلال اقل من عام وخلال ثلاثة اعوام ارتفعت الكهرباء بنسبة تصل الى نحو نصف اسعارها المعتادة سابقا، حيث يشكل رفع فاتورة الكهرباء أخطر ما يمكن ان ينال الأسعار، لأن مس أسعار الكهرباء يعني مصفوفة طويلة عريضة من السلع والخدمات الأخرى التي سوف تعصف بحياة الناس من مختلف الطبقات وفي المقدمة الطبقة الوسطى التي ستشعر انها مهددة في الاستمرار في اداء وظائفها في النظامين الاجتماعي والاقتصادي، الكهرباء تعني أفران الخبز وتعني الصناعات الغذائية وتعني المحال التجارية وتعني فرص العمل المحدودة، وعشرات الخدمات والسلع الأساسية.
من المعروف ان الفيزياء اكثر العلوم مصداقية بالتنبؤ بالمستقبل، ولكن قد لا يوجد فرق بين السياسة والطبيعة التي هي موضوع الفيزياء التي تقول ان التراكم الكمي لا بد ان يصل في لحظة ما الى تحول نوعي يغير خصائص المادة وسماتها. لا ننسى بأن الكهرباء ظاهرة فيزيائية بامتياز.
بين معادلة الاستقرار وانقاذ الاقتصاد ماذا نختار؟ نحتاج هنا إلى خيار ثالث في الوسط، فما تًحمله المجتمع الأردني خلال العامين الماضيين من موجات ارتفاع في الاسعار وتضييق في الضرائب، وآخرها ما اقدمت عليه الحكومة في ضريبة الدخل يستحق عليه المجتمع الشكر وليس المزيد من التضييق، ولا يمكن المراهنة من جديد على تفهم الناس وعلى تمريرهم لضربات متتالية في اقل من عام؛ فضربة الكهرباء قد تكون قاسية ولا تغتفر .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.