صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الدولة والإخوان يتجنبان «أبغض الحلال»…!!

0

اعتقد أن سؤال العلاقة بين الدولة و الجماعة يبدو محسوما – حتى الآن على الاقل- باجابة واضحة وهي تجنب أبغض الحلال السياسي ، وعدم اللجوء الى الطلاق.
تحت هذا العنوان يمكن فهم ما جرى على امتداد العقدين الماضيين بين الحكومات والاخوان من مناورات سياسية، كما يمكن تقدير موقف الطرفين الآن من حالة التصعيد التي اعقبت توقيف نائب المراقب العام، صحيح انها ليست المرة الاولى التي يتم فيها توقيف قيادات من الاخوان ، فقد سبق احالة أربعة منهم الى القضاء(2006) وحكم على اثنين بالسجن فيما عرف بقضية( عزاء الزرقاوي) ، لكن الصحيح ايضا ان ثمة مفارقات بين الحادثتين ، فالصاعق الذي فجرهما هو الموقف من الارهاب، والمناخات التي جاءتا في سياقهما كانت ملبدة بغيوم الشك ، ومع ان التكتيك الذي جرى استخدامه كان مختلفا الا ان النتائج صبت في اتجاه واحد ، وهو محاولة تعديل سلوك الجماعة او تذكيرها بما يجب عليها ان تفعله او تلتزم به.
في عام 2006 ، وضع ملف الاخوان على الطاولة ، لكن بعد سنة تم التوصل الى توافق اصدرت بموجبه الجماعة بيان تموز الذي تعهدت فيه بولائها للنظام السياسي ورفضها للعنف والارهاب، وعلى مدى السنوات السبعة التالية اتسمت العلاقة بين الطرفين “ بالبرودة” ، خاصة بعد انتخابات 2007 التي كانت آخر انتخابات برلمانية يشارك فيها الاخوان، وصولا الى انحياز الجماعة للاحتجاجات و محاولتها اعادة ترسيم العلاقة مع الدولة على أسس جديدة ، ثم مرحلة انحسار “الموجة” الاحتجاجية بعد ازاحة نظام الاخوان في مصر ، وحصار الاسلام الساسي اثر هبوب رياح الثورات المضادة.
في اسوأ الاحوال التي مرت بها العلاقة ، حافظ الطرفان الرسمي والاخواني على “ الاتزان “ والتزما بعدم الدخول في معركة كسر عظم او الجنوح الى “الطلاق” ، الجانب الرسمي اعتمد في تعامله مع الاخوان على منطق تراوح بين الاضعاف والحصار والتفاهم والاستيعاب ، وراهن على حكمة العقلاء داخل الجماعة، وفتح قنوات خلفية للحوار مع بعض القيادات ، وحاول استثمار الحراك الذي يدور داخل الحركة لاشغالها او ارباكها، كما شجع مبادرة زمزم لهز شجرة الاخوان وتعديل مسارهم ، وكان – بالطبع – لديه تحفظات وملاحظات على أداء الحركة وخاصة على صعيد علاقتها مع الخارج ( التنظيم الدولي وحماس تحديدا)، وعلى صعيد موقفها من ملف التطرف والارهاب، واتهامها بوجود تنظيم سري داخلها ، فيما اعتمدت الجماعة في موقفها من الدولة على منطق “المناورة” ، فلجأت احيانا الى التهدئة واحيانا الى التصعيد ، وقدمت رسائل حسن نوايا متكررة كان اهمها رسالة “ترشيد” حركة الشارع ابان احتجاجات العامين المنصرفين، ورسالة التغيير من الداخل التي اطلق مبادرتها المراقب العام ، ورسالة التراجع عن فصل قيادات زمزم ، ورسالة الفوز في انتخابات المعلمين ثم زيارة مجلس النواب ..الخ، لكن كل هذه الرسائل لم تنجح في كسر حالة “انعدام” الثقة بين الطرفين ، ولم تنتج تحولا في مسار العلاقة التي انحرفت عن سكتها التاريخية منذ أكثر من عقد على الأقل.
ومع ذلك، اعتقد ان لدى الدولة والاخوان تصورا مشتركا يقوم على أساس “التعايش “ كضرورة : الدولة ترى ان الاخوان جزء من النسيج الوطني ، ويملؤون فراغا سياسيا من الصعب ان يملاه غيرهم، ورغم ملاحظاتها على سلوك بعض قياداتهم الا ان الجماعة ما تزال ملتزمة بالثوابت الوطنية ، وبالتالي فانها تشكل نسخة اردنية مختلفة عن غيرها من النسخ الاخرى في البلدان المجاورة ، حيث يمكن استثمارها واحتواؤها وربما تطويعها اذا لزم الامر/ لكن لا يجوز اخضاعها لمسطرة الاحكام التي تعرضت لها النسخ “الاخوانية “ في مصر او غيرها، اما الاخوان فيعتقدون ان للدولة الاردنية فضلا عليهم ، فهي لم يسبق ان استهدفتهم ، كما ان كل ما تعرضوا له من اجراءات ظل محصورا في اطار ضيق ومحدود التأثير ، ولم يصل الى كسر العظم ، وكان في الغالب متعلقا بملف التطرف والارهاب ، مع اشخاص وليس مع الحركة ، وفي اطار مناوشات على الحدود وليس استهدافا للوجود.
هذا الاعتراف المشترك ربما وصل احيانا الى حد اللقاء والتعارف ، لكنه –للاسف- لم يصل الى حد التصالح ، وذلك في تقديري لسببين اساسيين: احدهما يتعلق بعد قدرة الحركة على تجديد خطابها السياسي وبلورة مشروعها الاصلاحي الوطني ، وصولا الى مصالحات تاريخية مع الدولة ، على اساس الحسم في عملية الفصل بين السياسي والدعوي ، وبين الولاء الداخلي والخارجي، وبين التمثيل الوطني والديمغرافي، اما السبب الاخر فيتعلق بهواجس بعض القوى المؤثرة داخل الدولة من الاسلام السياسي، كملف اقليمي ودولي ، ومن الجماعة كامتداد لتنظيم عابر للحدود، ومن ممارسات ومواقف الاخوان المتصلبة تجاه المشاركة في العمل السياسي ، او الاخرى الملتبسة تجاه التطرف او ردود بعض قياداتهم الانفعالية التي تبدو احيانا مأزومة وغير مفهومة.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.