صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لا حل للعنف بغير حكم القانون..!

0

مواطن يمر بسيارته صدفة قبل أيام من منطقة قتلت فيها قوات الأمن مطلوباً. يتورط هو وزوجته في منطقة اشتباك غير معلنة دون أن يدري. ولغير سبب مفهوم على الإطلاق، يرمي واحد من المحتجين على مقتل المطلوب حجراً على عابر الطريق، يخترق زجاج سيارته ويضربه في رأسه، ويقتله. وبعد ذلك، يغلق أقارب المقتول غدراً شوارع منطقتهم ويتجمعون هم الآخرون، مطالبين بالكشف عن هوية القاتل، في مقدمة أخرى لاحتمال سقوط عابر آخر سيئ الحظ، صادف أنه تواجد في المكان الخطأ، في الزمن الخطأ.
مواطن يذهب بكامل أناقته لأداء واجب التهنئة في عرس، ولا يعود. تغتاله طلقة “فرح” طائشة تنهي خبرته مع الحياة هناك، دون أن يتقصّد الموت. لكن قاتله يواصل الحياة، معتذراً بحسن النية، وفرط الفرح، وعدم القصد، ويخفف ضميره من الذنب بجاهة وفنجان قهوة.
طالبٌ يذهب إلى جامعته في الصباح غافلاً عمّا يخبئه له النهار. يرتب ليومه ويدخّر شيئاً للمساء الذي لن يراه. يقع مصادفة ضحية لشجار ليس له. ويسقط على يد زملاء ربما بادؤوه تحية الصباح، قبل أن يحولهم شيء إلى وحوش ومشاريع قتلة.
طفلة تقف على شرفة منزلها لترى مشهداً مفرحاً جديداً من مشاهد الحياة. موكب سيارات تطلق منبهاتها وأناس يمرحون ويخرجون من فتحات السقوف، بعضهم بأرواب التخرج. لكنه يكون المشهد الأخير. يكتشفونها منقوعة بالدم والموت بعد أن صادفتها رصاصة المحتفلين وانسلت إليها في صخب الزوامير والهتاف. وتقيّد القضية ضد مجهول.
وآخر، يخرج بسيارته قاصداً باب الكريم. ربما يستمع إلى أغنية مرحة أو يبدأ يومه بالقرآن. يقلّب فواتيره كلما توقف السير، ويتوقع غلته في آخر النهار، لكنه يُقتل بعد قليل بمسدس في ميدان عام وتحت الشمس، لمجرد أنّه استخدم منبه سيارته ليعاتب زميلاً أخلّ بالأولويات على الطريق.
رجل جَهد عُمره ليسير بجوار الحائط. يتعلّم ويتعقب الحكمة أنّى تكون عله يمضي حياته هادئة. يستنفرونه لأن ولداً صاحب مشاكل من عشيرته تشاجر مع آخرين. يحسب المسافة بين الجُبن والتبصُّر، ويفكر باحتمال نصرة الأخ ظالماً بوقفه عن ظلمه، فيكتشف استحالة ذلك عندما يغرق صوت العقل في طوفان الغريزة والعصبة. يخرج مع أبناء عمومته متردداً، وربما يحاول أن يجد من يسمع مِن هنا أو هناك. لكنه يذهب بضربة هراوة وهو يحاول أن يتقي بيديه.
هذه عينّة من وقائعنا التي لم تعد متباعدة هنا. ولكثرة ما نقرأ ونسمع ونرى منها، أصبحنا نحس كثيراً بأننا نحن وأولادنا مشاريع دائمة للسقوط خسائر جانبية، في الشارع، أو العرس، أو حتى في شرفة المنزل. وقد كثرت مناطق الأزمات حتى تقاربت الإمكانيات. بل ان الذين يتأبطون الشر ويخرجون ربما يصادفونك عند كل منعطف. وقد يصيبونك –دون قصد؟!- في حادث سير، لا لشيء سوى الاستهتار والعدوانية وتجاهل القوانين. وأصبح حديث العنف الذي لا يشير إلى تراجع يبدو عبثياً، والأشياء تسير في وجهات لا يستطيع أن يضبطها أحد.
لا شيء يمكن أن يبرر هذه الاتجاهات التي لا تسفر عن الخراب فقط. ومعظم هذه الأحداث تُحيل إلى شكل من العصبوية. لكنها عصبوية تؤكد على كل ما هو سلبيّ. هناك عصبويات في كل مكان تقريباً، ولعل فكرة الدولة-الأمة هي أنصع التجليات. لكن الانتصار للعصبة يأخذ هناك شكل الاعتزاز القومي. هناك ينتصر مواطنو الأمم المتقدمة لثقافاتهم وبلدانهم ومواطنيهم ومصلحة المجموع –في إطار من التعاون والعلاقات التكاملية مع الآخرين. أما عصبويتنا، فتعزز الانفصال والصراع.
لا يمكن حل أي مشكلات بتشاجر المواطنين وقتلهم بعضهم بعضاً. ولا مخرج من ضيق الحال بالإجرام والعدوان وكسر القوانين. ولا ينبغي أن يساعد عاقل إحلال أي وحدات مجتمعية محل الدولة والقانون، خاصة إذا أصبحت هذه الوحدات تخطئ تقدير المسافة بين حفظ العاطفة المجتمعية المتعاطفة وبين حماية المخالفين بمنطق الحشود وأخذ الحقوق باليد وتشجيع المنطوين على مبدأ عدواني.
للدولة والناس مصلحة بالعمل على عقد اجتماعي، يشارك في صياغته وتطبيقه المجتمع المدني بحماس لمصلحة الجميع، يبدأ من رفع كل غطاء عن العدوانيين، ويصر على الأشياء المعقولة: حكم القانون الحر العادل، وتساوي الفرص، ومنطق التفاوض بنية حسنة!
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.