صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الإسلام وأصول الحكم

0

ما يزال كتاب علي عبدالرازق “الإسلام وأصول الحكم”، منذ صدوره في العام 1925، أهم كتاب يرجع إليه في مناقشة مسألة الخلافة؛ من وجهة نظر ردها دينيا، واعتبارها شأنا إنسانيا لم يأمر به الإسلام ولا نهى عنه.
يقول عبدالرازق إن القداسة التي أضفيت على الخلافة في التاريخ والتراث الإسلاميين، وإدراجها في أساسيات الإسلام والعقيدة، ليس لذلك سند أو مرجع في الإسلام. وكل هذه القداسة والهالة الدينية العظيمة، مردهما إلى أحاديث وأخبار لا تصلح للاستدلال. إنها (الخلافة) كما يقول: “ليست في شيء من الخطط الدينية كلا، ولا القضاء ولا غيرها من وظائف الحكم ومراكز الدولة. وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، لم يفرضها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة”.
فكرة الكتاب الأساسية هي أن الإسلام لم يقرر نظاما معينا للحكومة، ولم يفرض على المسلمين نظاما خاصا يجب أن يحكموا بمقتضاه؛ بل ترك للناس مطلق الحرية في تنظيم الدولة وإدارتها، طبقا للأحوال الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي نوجد فيها، مع مراعاة تطورنا الاجتماعي ومراعاة مقتضيات الزمن. و”لم نجد فيما مر بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض، من حاولَ أن يقيم الدليل على فرضيته بآيات من كتاب الله الكريم. ولو كان ثمة دليل واحد، لما تردد العلماء في التنويه والإشادة به”.
ويقول عبدالرازق إنك إذا تتبعت أدلة من يقولون بدليل الوجوب من الكتاب والسُنّة، فلن تجد فيها شيئا أكثر من أنها ذكرت الإمامة والبيعة والجماعة وأولي الأمر. فلو افترضنا جدلا أنها صحيحة، ولو افترضنا صحة حمل دلالتها على الخلافة، فإنها لا تنهض دليلا لأولئك الذين يتخذون الخلافة عقيدة شرعية وحكما من أحكام الدين؛ إنها تساوي أن يستنتج المسيحيون من قول المسيح “دع ما لقيصر لقيصر” وجوب أن يكون للناس قيصر.
ويجب القول هنا أن الأدلة والأفكار التي استخدمها الأزهر لحرمان الشيخ علي عبدالرازق؛ الحائز على شهادة العالمية من الأزهر، وشهادة جامعة أكسفورد، هي التي يستخدمها دعاة الخلافة اليوم، والذين يفترض أن الأزهر يحاربهم. لكن أحدا لم يسمع من الأزهر بيانا جديدا، ومعالجة لمسألة الخلافة والحكم في الإسلام؛ ما يعني أنه ليس لدى الأزهر وكل دوائر الإفتاء ووزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية وكليات الشريعة في الدول العربية والإسلامية ما تقدمه للناس سوى ما لدى “داعش”؛ فلن يقال في الرد على “داعش” سوى أن الظروف غير مهيأة لتطبيق الأحكام التي يطبقها “داعش”، وسنن التدرج المفترضة. ولكن في المحصلة، ليس لدينا، لشديد الأسف، سوى كتاب علي عبدالرازق الذي حرّمه الأزهر وحاربه الحكم؛ وكتب ابن رشد في القرن الثالث عشر مثل “فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال”، والذي تعرّض بدوره للحرمان والتهجير؛ وإشارات للكاساني في القرن الثاني عشر في كتابه “بدائع الصنائع”.. وقد يردّ بالقول إن ثمة غيرهم، لكن ذلك لن يغير من حقيقة الفقر المدقع في الفكر السياسي للمسلمين.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.