صحيفة الكترونية اردنية شاملة

فقه التداول والتدافع

0

لا نهاية للتاريخ وفقا للنظريات الفلسفية التي ارادت ان تطمس الطبيعة الانسانية المتنوعة او تنهي حالة التعددية المختلفة، ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.
إنهارت النظرية الاشتراكية بعد ان وصولت “البروليتاريا” او ما سميت بالطبقة الكادحة الى الحكم ولم تتوقف نظرية “الديالكتيك” عن التفاعل وبدأت مرحلة التناقض والصراع الداخلي التي اطاحت بالامبراطورية السوفيتية والنظرية الاشتراكية ولم يتوقف التاريخ.
وبالمقابل عانت النظرية الراسمالية ولا زالت تعاني من العزلة والكراهية عندما استفردت اميركا بقيادة العالم وتجاوزت على مفاهيم التعددية وقبول الرأي الآخر حتى لو كان غربيا ومن نفس المدرسة والنظرية.
ارادت اميركا ان تضع حدا لحركة التاريخ فخاضت حروبا امبراطورية ضد الآخر الذي وصفته بالإرهاب فبدأت التصدعات الاقتصادية تضرب اساسات البناء ولم يتوقف التاريخ.
وشنت “اسرائيل” حربا كونية ضد غزة فخسرت عسكريا وامنيا واخلاقيا وسياسيا واعلاميا، وخرج نتنياهو يلعق جراحه ويجر اذيال الخيبة ولم يتوقف التاريخ.
انها سنة التدافع الكونية الغلابة ماضية في طريقها تدمر من يصادمها وتفسح الطريق لمن اعترف بها واستفاد من احكامها.
“ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض”.
حركة التاريخ ماضية في مسارها لا ترحم الضعفاء ولا تجامل الاقوياء ولن تتوقف في محطة السكون والى ان يرث الله الارض وما علبها.
عندما يغيب الوعي عن ادراك الحقائق والنواميس وفقه التداول بين الناس والدول والحضارات لن يبق القوي مسيطرا ولن يبق الضعيف مستكينا.
“وتلك الايام نداولها بين الناس”.
اليس هذا هو المعنى الذي كتبته ارادة المقاومة في غزة؟ يرحم الله الشيخ احمد ياسين الذي استشهد قبل ان يرى تحقق مقولته “ان القوي لن يبقى قويا وان الضعيف لن يبقى ضعيفا” فها هي “اسرائيل” تواجه اليوم بندقية مختلفة ومفاوضا متميزا ينتزع الحقوق من بين اشداقهم ورغما عن انوفهم وقهرا لمن تآمر معهم وحسرة في نفوسهم وغيظا يسكن في قلوبهم وموتا قريبا يحصهم عددا ويحصدهم بددا.
فقه التداول سنة وضرورة للدول والجماعات ويخطئ من امتلك القوة او الاغلبية واعتقد بانها دائمة ولكل مرحلة احكامها فمن كانت لديه سلطة او اغلبية فلا ينبغي ان يقهر خصمه او منافسه وليس صحيحا ان تتعامل الاغلبية بمنطق الاقلية والاستضعاف وتسعى للاستحواذ وتخطئ الاقلية ايضا عندما تصر على فرض شروطها ورغباتها.
لقد آن الاوآن ان ندرك فقه التداول الذي يجعل من التباين تكاملا ضروريا مثريا ومقويا ودافعا اساسيا للتنافس والابداع لأن قطار الحضارة لا ينتظر المتخاصمين حتى يصطلحوا والاجدر بهم ان يتفقوا داخل القطار والإطار ولن يتوقف التاريخ لانه ببساطة ليس امامه اشارة حمراء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.