صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأردن يسير نحو الملكية الدستورية أم الملكية الرئاسية؟

0

خلال عامين يُفتح الدستور مرتين لإجراء تعديلات عليه ، التعديل الاول وصف بالاصلاحي لانه تضمن تغيير اكثر من ٤٠ مادة من اجل تقليل صلاحيات الملك والحكومة لصالح السلطة التشريعية . اما في هذه المرة التي تتضمن تعديل مادتين في الدستور ، المطروحة حاليا على جدول الدورة الاستثنائية لمجلس النواب ، فتوصف بانها لتوسيع صلاحيات الملك الدستورية وكأن الدولة قد اختارت مسارا تراجعياً عن الاصلاحات التي فرضها الربيع الاردني في عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢ ، لان التعديلات السابقة على الدستور جرت في ظل هذا الربيع وأجوائه ، بينما التعديل الحالي يجري في وقت انحسرت فيه موجات الاصلاح في العالم العربي وبعض هذه الانحسارات تحول الى كوارث كما هي ماثلة الان في سوريا واليمن وليبيا .
لكن ما لم ينحسر في العالم العربي منذ ثورات ٢٠١١ وحتى اليوم هو الخلاف على هوية النظام او الدولة : هل هي دينية ام مدنية . وهل الانظمة الملكية يجب ان تكون دستورية ام الاكتفاء بكونها مستنيرة ؟.
لقد أطيح بنظام مرسي على خلفية هذا الخلاف وفي اليمن المسألة نفس الصراع بين الدولة واتفاق اللامركزية المدنية من جهة وبين أيديولوجية القاعدة السنية والحوثية اليزيدية من جهة اخرى . في ليبيا هو بين المجلس الوطني المنتخب ذو الخلفية المدنية تسانده بعض قطاعات الجيش وبين ميليشيات جهوية ذات طابع ديني وعشائري . والأمر اكثر تعقيدا في سوريا والعراق لكنه صراع في نفس الإطار .
اما الانظمة الملكية في دول الخليج ، وان كانت لا تشهد صراعات وخلافات على الارض ، الا انها تتحرك وتتغير متأثرة بأجواء الصراع الدائر بالمنطقة حول هوية الدولة وطبيعة الاصلاحات المنشودة لصياغة علاقات جديدة بين الطابع الملكي المستنير وبين حاجات الشعب للتغيير . لقد شهد العام الأخير في المملكة العربية السعودية سلسلة قرارات اتخذها خادم الحرمين يمكن تلخيصها بانها أعادت ترتيب البيت الداخلي خاصة في الصفوف العليا من الحكم ، دافعة بصف جديد من الأمراء الى مركز القرار ، مع اتخاذ سلسلة من القرارات والسياسات التي تستهدف تحسين الاحوال المعيشية للأغلبية الشعبية هذا حدث ايضا في قطر والتغيير الشامل في قمة الحكم .
وأعود لعنوان هذا المقال بعد هذا الاستعراض للمتغيرات الإقليمية من حولنا الذي حرصت على تقديمه لسبب هام وهو ان الدول العربية اصبحت منذ بداية الربيع العربي تعيش حالة من التأثير والتأثر الشديد بأوضاع بعضهاالبعض، فمناخات الخلاف حول هوية الدولة وطبيعة الانظمة يتسرب عبر الحدود . مثلا ، تتخذ الدول العربية كل حسب طبيعتها ومصالحها مواقف من الأوضاع في سوريا والعراق ، بعضها يطالب بنظام توافقي ديموقراطي في دمشق وبغداد والآخر يؤيد القمع والقتل باسم مكافحة الارهاب هذا دليل على طغيان الجدل حول طبيعة الدولة ونظامها في العالم العربي كما وبان الجميع يواجهون نفس الأحداث وذات الاخطار بدرجات متفاوتة الحدة فالقاعدة وأخواتها موجودة في معظم الدول العربية وتيارات الاخوان ومناهضيهم من العسكر وانصار الدولة المدنية كذلك .
الاردن ، كان يسير حتى نهاية ٢.١٢ على مسار إصلاحي واضح لاقي شبه إجماع وطني استند الى مقررات لجنة الحوار الوطني ، خاصة المتعلق منها بتغيير قانون الصوت الواحد . هذا المسار تغير بشكل دراماتيكي بعد استقالة حكومة عون الخصاونة وفي وقت انحسر فيه الحراك الشعبي وبدا هذا التغيير عند كثير من الاردنيين بانه رجوع الى الخلف .
في هذه الفترة ايضا طرح الملك في وسائل الاعلام مجموعة أوراق للنقاش حول خارطة الطريق التي يراها لإنجاز الديموقراطية وحدد الهدف النهائي بظهور حكومة برلمانية ومجلس وزراء يكون فيه الوزير سياسياً بحكم انتمائه للكتلة النيابية التي اختارته . الى جانب وجودادارة حكومية تقوم على كفاءة واستقلالية الأمين العام ، وعلى الصعيد المجتمعي يجري تطبيع الشعب على اساليب ومفاهيم الديموقراطية تحت شعار التمكين . غير ان حكومة الطراونة التي أعادت مجلس النواب الى هيمنة الصوت الواحد ومن بعدها حكومة النسور التي لم تهتم الا بسن الضرائب ورفع الدعم أوجدتا مناخا لا يسمح باي شكل بتحقيق ولو خطوة واحدة ذات محتوى على مسارات خارطة الطريق الملكية .
اليوم تأتي التعديلات الدستورية الجديدة لتثير مرة اخرى الجدل حول مفهوم الملكية الدستورية ، وفي رأيي ان هذه التعديلات ان أقرت ستشجع على طرح التالي : وهو ان المسار الذي تسير عليه البلاد في الواقع هو ( الملكية الرئاسية ) فلماذا لا توضع النقاط على الحروف والتقدم نحو هذا المسار بشفافية ووضوح ، مثل احداث تعديلات دستورية تتوافق مع هدف الوصول الى الملكية الرئاسية كما هو حاصل في السعودية مع تعظيم صلاحيات المجلس النيابي لمواجهة التغيير الذي سيحدث على مفهومي الولاية العامة ودوره في الرقابة والمحاسبة .
ومع ان البعض يرى ان واقع الحال يؤشر على اننا نعيش فعلا في ظل نظام ملكي رئاسي ناجم عن حقيقة ان الحكومات تتكئ عمليا في معظم مهماتها على التدخل المباشر من الملك ، فهو يشرف مباشرة على ملف الخارجية وكذلك على ملفات الاستثمار والمساعدات وحتىى العلاقات التجارية بين الاردن ودول الشرق والغرب ، مع ذلك اعتقد ان تحول الاردن نحو هذا الشكل من الانظمة مستبعد لأسباب عديدة اهمها الاستقرار الطويل للنظام الحالي وما ولد من أعراف وقوانين ضاربة في عمق الدولة ، وعراقة دستوره الذي ينص على ان نظام الحكم هو ( نيابي ملكي ) واهم من هذا رؤية الملك التي يتحدث عنها منذ بداية عهده في الاوراق النقاشية وفي مقابلاته وخطاباته ، وكلها تؤكد على تطلعه الى حكومة نيابية اي ملكية دستورية كاملة .
لابد آجلا ام عاجلا ان تعود البلاد الى دستورها عندما ترحل هذه الحكومة التي تقود الاردن الى تغيير دستوره وشكل نظامه الذي عرف عليه منذ ٦٤ عاما هي عمر الدستور . وستثبت الايام ان ما أقدمت عليه حكومة النسور ( دستوريا ) سيشكل استقطابا شعبيا اكبر نحو هدف الوصول الى وجود حكومة إصلاحية بحق وحقيقة . مثل هذا المطلب او الهدف اصبح ضرورة وطنية وتاريخية تفرضه التحولات التاريخية الخطرة في المنطقة وما هو ناجم عنها من مخاضات عسيرة ودامية تتمحور كلها على تحديد هوية الانظمة المنشودة .
هوية الدولة الاردنية ونظامها معروف ومستقر لكن ما تحتاجه هو التجديد والإصلاح الحقيقي والمشاركة وتعزيز مؤسسات المحاسبة والمراقبة وليس إضعافها ، حاجات تثبت الأحداث من حولنا اهميتها الدفاعية القصوى لان طبيعة الاخطار التي تهدد الاوطان والشعوب العربية لا تهزم بالسلاح وقوة الامن فقط انما بالحكومات القوية المستندة الى التأييد والتوافق والرضى الشعبي اي ( الدفاع المجتمعي ).

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.