صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من حقي أن أقول.. أوقفوا هذا العبث والإنقلاب على الدستور

0

إنه لأمر غريب هذا الذي نشرته الصحف على لسان دولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، بشأن التعديلات التي ينوي إجراءها على الدستور، وما تم اتخاذه من خطوات ليوافق مجلس النواب ومجلس الأعيان على ما يريد، لإعطاء سلطات حصرية للملك ينفرد بها في تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات. إن هذا الذي سوف يفعله الرئيس، سيشكل إلغاءً لأساس النظام البرلماني الذي يقوم عليه دستورنا، وانقلاباً جوهرياً على الدستور، يحولنا من ملكية دستورية إلى ملكية رئاسية. وكنت أعتقد أن ما أقول به لا يخفى على نباهة الرئيس وفقاً لما أعرفه عنه، لأن هذا الأمر يعتبر من بديهيات العائلة التي ينتمي إليها دستورنا. ولعل ما يلي يوضح خطورة ما يتم السعي إليه في هذا المجال:
1. إن الدستور الأردني يقوم على مبدأ الفصل بين السلطة والمُلْك. فالسلطة أساسها ومصدرها الشعب، والمُلْك أساسه ومصدره التوارث (المواد 1، 24، 28 من الدستور) وهذا المبدأ، تم تعميده منذ عام 1770، من أجل أن يصبح النظام السياسي برلمانياً وملكية دستورية.
2. ومن يدرس نصوص دستورنا، لن يجد فيها أي سلطة ينفرد بها الملك، سوى الوقف المانع من تعديل الدستور (مادة 126 من الدستور)، أما القانون، فصلاحية الملك بوقف صدوره، حده الأقصى ستة شهور، وبعدها يعتبر صادراً بحكم الدستور (مادة 93).
3. أن المادة (45) جعلت الأصل في سلطة إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، لمجلس الوزراء، وفي المقابل نصت المادة (51) على مسؤولية مجلس الوزراء عن هذه الإدارة، أمام مجلس النواب، باعتباره يجسد إرادة الشعب صاحب السلطة، وأعطت لمجلس النواب حق محاسبة مجلس الوزراء، بحيث تكون هذه المسؤولية مشتركة. وهذا الذي ينص عليه دستورنا، هو الذي يجعل مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية ركناً أساسياً في النظام الأردني.
4. فإذا أعطينا للملك سلطة تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات بشكل منفرد، وأنا هنا لا أتحدث عن أشخاص بعينهم، وإنما عن المبدأ الذي يحكم التوازن في النظام البرلماني والملكية الدستورية، وأخرجنا هذا الأمر من صلاحية مجلس الوزراء المنصوص عليها في المادة (45) بدلالة المادة (40)، فإن مجلس النواب لا يستطيع محاسبة الحكومة بهذا الخصوص، كما أنه ليس من حق أحد أن يوجه لها النقد بشأن أية ممارسة لقائد الجيش أو مدير المخابرات، لأن سلطة التعيين انتقلت من يدها إلى يد الملك. ولأن الملك أصبح يمارس سلطة بهذا الشأن، فإن مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية يعني إباحة تقييم أدائه في ممارسة هذه السلطة ومحاسبته، وبالتالي ينعدم الأساس الذي تستند عليه جريمة إطالة اللسان، بسبب ارتباط قيام هذه الجريمة منذ وجودها في التشريعات، بعدم ممارسة الملك سلطة. وبالتالي فإن هذا التلازم الدستوري بين ممارسة السلطة والمحاسبة عنها، سوف يتعارض معه على نحوٍ في غاية الشذوذ، نص المادة (30) من الدستور التي تجعل الملك مصون من كل تبعة ومسؤولية!!
5. يقول الرئيس الدكتور عبدالله النسور، أن هذا التعديل هو من أجل إبعاد الجيش والمخابرات عن السياسة والأحزاب، عندما تتشكل حكومات برلمانية!! لا يا دكتور عبدالله، إنك بهذا تخطئ في بديهيات النظام البرلماني والملكية الدستورية. فليس هناك في الأنظمة البرلمانية المعاصرة والملكيات الدستورية، دولة واحدة تعطي لرئيس الدولة سلطة الانفراد بتعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، لأن هذا لو حدث، فسوف يلغي الأساس الذي يقوم عليه النظام البرلماني والملكية الدستورية. فإن قال لك أي قانوني خلاف ذلك، فأرجوك أن تقول له، إن هذا الأمر لا يدخل في باب الرأي حتى يمكن الاختلاف بشأنه، وإنما هو من البديهيات التي تنطلق من معرفة بالكيفية التي استكمل فيها النظام البرلماني بنيانه، حتى تجسد هذا البنيان في نصوص دستورية وأحكام قضائية تواتر وجودها على مدى أكثر من قرنين من الزمان. وأؤكد مرة أخرى، أن الملكية الدستورية في النظام البرلماني هي بناء متوازن متكامل ومتماسك، ومبدأ الفصل بين السلطة والمُلْك فيه يشكل ركنه الجوهري، والعبث بهذا الركن، سيؤدي الى انهياره لا محالة، وتحوله الى ملكية رئاسية.
6. وفوق ما سبق، فقد نشرت الصحف عنك قولك، بأن قائد الجيش ومدير المخابرات سيرتبطان برئيس الوزراء، وسيكون مسؤولاً عنهما!! فإن كان هذا الذي نُشر صحيحاً، فإنه يستهتر بعقول طلاب الصف الأول في الحقوق والعلوم السياسية، لأن هذا أمر في غاية الغرابة، إذ كيف سيكون الرئيس صاحب سلطة عليهما ومسؤولاً عنهما، بعد التعديل الدستوري الذي يجرّد الرئيس ومعه كامل مجلس وزرائه، من أي ولاية أو سلطة دستورية عليهما، رغم أن عملهما هو الأكثر تماساً والتصاقاً بالشعب. إنك بهذا يا رئيس حكومتنا تخطئ في البديهيات الدستورية مرة أخرى. ذلك أن مجلس النواب الذي يجسد إرادة الشعب، هو صاحب الولاية في الوصول إلى أي مسؤول في الدولة من خلال مجلس الوزراء، لمحاسبة الوزير الذي يملك السلطة عليه وبالتالي محاسبته. فإذا أعطينا السلطة الدستورية في تعيين هذين المسؤولين للملك، وتبين أن قائد الجيش مثلاً، حصل على عمولات من مشتريات السلاح على حساب الخزينة، أو تجاوزت المخابرات على حقوق الناس وحرياتهم، فإن مجلس النواب المنتخب سوف يجد أن الصلة بينه وبين هذا المسؤول منقطعة دستورياً، بسبب خروجه من الولاية العامة لمجلس الوزراء. وفي ذات الوقت، فإن الدستور لا يسمح بمحاسبة الملك كصاحب ولاية وسلطة على هذا المسؤول، لأن الملك معفى من كل تبعة ومسوؤلية. وبهذا، فإن ما أنت مُقْدم عليه، يعصف بسلطة مجلس النواب وبالتالي سلطة الشعب، وينهار مبدأ الشعب مصدر السلطة الذي يقوم عليه الدستور. ومثل هذا الانتقاص من سلطة الشعب، لم تجرؤ على فعله حكومة أردنية، حتى أيام سيف العهد العرفي المصلت على الرقاب، عندما كانت تسود فيه شريعة الغاب.
7. ومن ناحية الممارسة الواقعية، فأنت يا دكتور، من خلال تراكم تجربتك، تعلم جيداً، أنه منذ عام 1952، حتى الآن، وصاحب السلطة الدستورية في تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات، هو رئيس الوزراء والوزير المختص وفقاً للمادة (40) من الدستور ثم توقيع الملك بالموافقة فوق توقيعهما بالموافقة. لكنه طيلة مدة الـ (62) سنة، فإن الممارسة القادمة من الماضي، جعل كل واحد من القائدين أقوى من دولة الرئيس، بل أنه في كثير من الحالات، كان يسمى الرئيس أو يشارك في تسميته، وبالتالي لم يجرؤ أي رئيس وزراء أن يمارس على أي منهما سلطة، رغم أنه صاحبها الدستوري، وكان في ذلك ظلم للرئيس وخطأ في التطبيق، فهل تريد أن تقنن الظلم والخطأ وتفرض ذلك بنص دستوري؟ ثم هل تعتقد يا دكتور، أن أي رئيس فقد السلطة بتعيينهما بموجب الدستور، سوف يستطيع أن يمارس عليها سلطة!!
لقد كنا نتوقع أن المسيرات والهتافات الشعبية التي تجاوزت الخطوط الحمراء، قد قرعت جرس إنذار يستدعي تعديلات دستورية تعيد التوازن بين السلطات على أكثر سلامة ونضجاً، لا أن تسلب سلطة الشعب والمجلس الذي ينوب عنه بنص في الدستور.
8. يا دولة الدكتور عبدالله، إن جلالة الملك ليس بحاجة إلى سلطة دستورية ينفرد بها، لأن جمع المُلْك مع السلطة في يد واحدة بنص دستوري، يتعارض مع طروحات جلالته عن الملكية الدستورية، فضلاً عن أن هذا الجمع قد هجرته البشرية منذ أن تخلّصت من نهج العصور الوسطى، ودخلت إلى العصر الحديث إثر ثورات دامية، أعادت السلطة كاملة للشعب.
لا يا أيها الرئيس، إن التعديل المقترح، بما يتضمنه من سلب لسلطة الحكومة وسلطة مجلس النواب ومعه الشعب، سوف يضع الملك في مواجهة مع شعبه حتماً، لأن الناس لن يجدوا بيد الحكومة أو النواب سلطة في هذا المجال، لتوجيه تهمة التقصير لهم والمطالبة بمحاسبتهم، فلمصلحة من يتم هذا الذي يراد تغييره في الدستور؟
إنني أدرك جيداً، أن اقتراح التعديل من قِبَلك، لا بد وأن يكون قد سبقه مشاورات وترتيبات لدى الحلقات العليا، صاحبة التأثير والتقرير، لكنك ستتحمل إثم تحويلنا من ملكية دستورية إلى ملكية رئاسية، وستهدم الأساس الذي يقوم عليه الدستور، فأرجوك أن تعلم أن الفتاوى والنصائح والخطوات التي من هذا النوع، ليجمع الملوك في يدهم السلطة والمُلك، قادت الى انفجار الشعوب على الأنظمة التي تحكمها، وتسببت في زوال (41) أسرة كانت تتوارث الحكم في أوروبا من التاريخ، عندما كسرت شعوبها حاجز الخوف، وقد سبق أن شرحت أهمية توازن دستورنا وفصْل الملك عن السلطة أمام رؤساء السلطات الثلاث، وأنت واحد منهم، إضافة إلى أعضاء اللجنة الملكية للنزاهة، وقلت، إنني أخشى أن يؤدي هذا النهج الذي تسير عليه الدولة، الى جعل الملك عبدالله الثاني، لويس السادس عشر في نظر شعبه، وهذا أكبر إيذاء له، وكان ذلك في القاعة المجاورة لمكتبك برئاسة الوزراء، وجهاز التسجيل لحديثي وأشرطته موجودة لديك.
9. أنت تعلم يا دولة الرئيس، أنني لا أنطلق فيما أقول، من مصلحة شخصية، فقد سبق أن قلت لك مؤكداً، إنني تجاوزت أي موقع سياسي، ولم تعد المواقع بالنسبة لي مطمعاً، لكن مصلحة الوطن والدولة هي دافعي لما أقول.
10. وأخيراً، فإني أهيب بكل واحد من أعضاء مجلس النواب ومجلس الأعيان، تدارك الانقلاب على الدستور قبل وقوعه. ولا أجد أمامي بعد ذلك سوى أن أتوجه إلى جلالة الملك بأن يرفض هذا التعديل، وفقاً لصلاحيته بموجب المادة (126) من الدستور، إذ دستورنا اعتبر تعديل الدستور أمراً خطيراً في حياة النظام السياسي، ومن ثم أعطى الملك هذه الصلاحية الوحيدة التي يستطيع أن ينفرد بها.
بني وطني، اللهم إني قد بلّغت، اللهم فاشهد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.