صحيفة الكترونية اردنية شاملة

وترجّل الجنرال عن كرسي الدفاع

0

التعديلات الدستورية التي أمر بها جلالة الملك تبناها رئيس الوزراء عبد الله النسور وكأنها جاءت بمبادرة شخصية منه . وهذا يدفعني للحديث عن جانب واحد منها في هذه المقالة وهو ما يتعلق بوزارة الدفاع وتعيين رؤساء الأجهزة الأمنية . فوزارة الدفاع التي تمثل في مختلف دول العالم الوزارة المعنية بأمور الحرب وحماية البلاد ، يشغلها غالبا أحد الجنرالات السابقين أو مدنيا يتمتع بخلفية عسكرية مناسبة ، يدرك من خلالها مفهوم الاستراتيجية العسكرية ، ويعرف كيف يتعامل مع القضايا المتعلقة بسياسة الدفاع الوطني .
رئيس الوزراء الدكتور النسور ارتدى بزة الجنرال بما تحمل من نياشين وأوسمة عالية الشأن ، وأشغل وظيفة وزير الدفاع إضافة لوظيفته كرئيس للوزراء لمدة تزيد على سنتين . ولكنه لم يشارك الجنود خلالها بنشاطاتهم التدريبية أو تمارينهم العسكرية ، ولم يقم بزيارة ميدانية واحدة لأي وحدة عسكرية للإطلاع على تدريباتها ومدى جاهزيتها لتنفيذ واجباتها المحتملة . كما أنه لم يقترح أي فكرة تسهم في تطوير العقيدة القتالية أو الاستراتيجية العسكرية ، بل كان عمله مقتصرا على المراسلات والأعمال الروتينية .
لو أن فكرة فصل وزارة الدفاع عن حضانة رئيس الوزراء طُرحت عليه قبل بضعة أيام من إعلانها لعارضها بقوة ، واتهم مطلقها بمحاولة تخريب بنية الدولة وزعزعة الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة . ولكنه تجاوب مع التوجيه الوارد إليه بصورة فورية دون مناقشته بل دعَمَه بتبريرات غير واقعية . وهذا التجاوب السريع يذكرني بالقصة الحقيقية التالية :
في ذات يوم قائض وقف أحد القادة العسكريين أمام جنوده ، وإلى جانبه مساعده ـ الذي يوافقه تماما على كل ما يقول أو يفعل ـ وراح القائد يلقي محاضرته على مستمعيه مقدما لهم النصح والإرشاد حول أمورهم التدريبية والإدارية والانضباطية . ولكي يحفزّهم على تحدي خصومهم خاطبهم قائلا ( بصورة خاطئة ) : قال تعالى في كتابه العزيز : ” إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ” والتفت إلى مساعده يسأله عن صحة الآية . فأجابه المساعد فورا وبصوت جهوري : نعم سيدي ما تحدثت به صحيح وهذه آية كريمة من سورة الذئب . وهذا النموذج من الموافقات السريعة دون تدقيق ومصارحة بالحقيقة ، مطابق لاستجابة دولة رئيس الوزراء حيال التعديلات الدستورية المطلوبة .
من المعروف أن تعيين رئيس هيئة الاركان ومدير المخابرات العامة وبقية مدراء الأجهزة الأمنية ، كان يتم بمعرفة الملك وبتنسيب من مجلس الوزراء منذ إنشاء الدولة ، كتطبيق للديمقراطية والمشاركة بصنع بالقرار ـ حتى وإن كان صوريا ـ ثم يصادق عليه الملك لكي يصبح ساري المفعول . ودون تلك المصادقة فإن التنسيب يعتبر باطلا وغير قابل للتنفيذ .
وفي توضيح لاحق لهذا التعديل قال رئيس الوزراء : ” بأن القيادة العامة للقوات المسلحة والمخابرات العامة ستبقى تتبع لرئيس الوزراء دون تغيير في أسلوب العمل أو ما يتعلق بالمساءلة والمحاسبة ” . وهنا أسأل دولته : ألا ترتبط القيادة العامة للقوات المسلحة بوزارة الدفاع الوليدة أم أنها مؤسسة موازية لها وتتلقى تعليماتها من دولتكم مباشرة ؟ وهل صحيح أن أسلوب العمل سيبقى كما هو في السابق رغم تغيّر الارتباط والواجبات ؟
إن مبدأ تلازم السلطة والمسؤولية يقضي بمحاسبة الموظف إذا أخطأ في أداء عمله ، فكيف يمكنكم دولة الرئيس محاسبة رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة ، إذا صدرت منهما اخطاء في أداء أعمالهما ، طالما أن لا سلطة لكم في تعيينهما أو فصلهما عن موقعيهما ؟ وأحب أن أبين لدولتكم ـ رغم معرفتكم بذلك ـ بأن تعيينهما وارتباطهما الجديد بالملك سيجعلهما خارجيّن عن سيطرتكم لأن ذلك يعود تلقائيا لمن عينهما في موقعيهما الجديدين . وهذا الارتباط سينزل بمرتبة الملك عن كونه محصنا وحكَما بين مختلف السلطات في الدولة ، إلى مشارك في صنع أخطاء رجلُيه التي تستوجب المحاسبة .
وحيث أن تشكيل وزارة دفاع يمكن تحقيقه بيسر وسهولة من خلال تعديل وزاري ، أتساءل لماذا جاء الأمر بإجراء تعديل دستوري يحتاج إلى قرار من السلطة التشريعية في هذا الوقت بالذات مما يخلق تشويشا وإرباكا جديدا بين المواطنين ؟ فإن كانت الإجابة بأن الأخطار تداهمنا من مختلف الجوانب ، فأقول بأننا واجهنا أخطارا أصعب من هذه في وقت سابق وتجاوزناها بدون تعديلات دستورية . وإذا كان المبرر الآخر هو لإبعاد القوات المسلحة عن التجاذبات السياسية ، فقد كانت هذه الحالة مرافقة للقوات المسلحة منذ تأسيسها ، وأصبحت مبدأ راسخا تسير عليه ولن تبدله في المستقبل . وبناء عليه فإنني أعتقد بأن هذه حجج واهية لا تستقيم مع حقيقة التعديلات المطروحة ، بل تنذر بحدوث أمور مستقبلية غامضة .
أما ادعاءات البعض بالتخوف من حكومات برلمانية قد تتلاعب بمصير الوطن ، فهذا كلام يعوزه المنطق السليم ، لأننا نطالب بحكم ديمقراطي يستمد صلاحياته من الشعب ويبتعد عن القرارات الفردية ، علما بأن قرارات مجلس الوزراء الهامّة تخضع لمصادقة الملك .
وإذا ما كُتب لوزارة الدفاع أن ترى النور في المستقبل القريب ، بعد أن ترجّل عن صهوتها دولة رئيس الوزراء فمن الضروري مراعاة النواحي التالية : 1. أن لا تكون الوزارة الجديدة مصممة لخلق وظيفة لشخص معين ، يحظى بالرضا والقبول من قبل صانع القرار . 2. أن تمارس دورها كوزارة دفاع حقيقية لا ديكورية تعمل في بيئة منفصلة أداء وارتباطا . 3. أن ترتبط برئيس الوزراء صاحب الولاية العامة ، لتنسجم مع سياسات باقي وزارات الدولة واستراتيجياتها العامة . 4. أن تخضع أعمالها وموازناتها للجهات الرقابية في الدولة . 5. أن يشغل هذه الوظيفة رجل مشهود له بالكفاءة والوطنية والنظافة والجرأة الأدبية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.