ماذا بعد الشغور الرئاسي؟
في حالة غير مسبوقة حمل الرئيس ميشيل سليمان حقائبه وغادر القصر الجمهوري في بعبدا الى منزله في بلدة عمسيت. الرئيس سليمان سجل سابقة لم يشهد التاريخ الرئاسي في لبنان مثلها . هو عندما دخل الى القصر لم يجد من يسلمه المسؤولية والمنصب حسب البروتوكول ، وها هو يغادر القصر دون ان يسلم المنصب والمسؤولية والمهمة والعهدة الى رئيس جديد ، لذلك يقال في بيروت اليوم ان الرئيس سليمان هو الاوحد الذي لم يستلم ولم يسلم .
ولكن هذه ليست المشكلة التي تشغل بال اللبنانيين فحسب ، بل هم قلقون من تداعيات الشغور الرئاسي الدستوري ، رغم تخويل مجلس الوزراء القيام بالمسؤؤلية ، حيث تم نقل مهام الرئيس للمجلس مجتمعا ، خصوصا في ظل المحاصصة الطائفية وهي العقدة التي تبرز مع ظهور كل ازمة في لبنان .
في لبنان يكثر الحديث عن التوافق وعن الميثاق الوطني ، وعن الحرية والديمقراطية والالتزام بنصوص الدستور ، ولكن في النهاية يظهر ان لكل طائفة اميرها الراغب بالتقاسم ، رغم الحراك السياسي والحزبي الذي يغلف الحقائق على الارض والواقع.
كان لبنان في زمن العز الديموقراطي والازدهار الاقتصادي محسود من العرب ، وكان يقال :” نيال من له مرقد عنزة في لبنان ” ، وكان لبنان الرئة التي يتنفس منها الشعب العربي وانظمته ، وهو الملجأ الذي كان السياسيون المطاردون يفرون اليه من ظلم الحكام الديمقراطيين !! ، وكان النظام العربي الذي يحترم حرية التعبير ، وعاصمته مدينة الفن والصحافة والثقافة والحرية ، والاهم ان الانظمة العربية لعبت لعبتها لتخريب هذه المساحة من الحرية والديمقاطية ، وجعل لبنان على شاكلة الانظمة العربية الاخرى .
وقد لاحت اللحظة التاريخية لتخريب لبنان عبر اشعال الحرب الاهلية ، وبسط النفوذ العربي والخارجي على مقدرات هذا البلد ومصادرة قراراته السيادية ، وقد لعب امراء الطوائف وجنرالات الحروب وتجارها دورا مهما في تنفيذ المشروع تحت عناوين وشعارات وطنية وطائفية. واصبح لبنان رهينة لقرارات الخارج العربي والاقليمي والدولي ، ولكل لاعب مصالحه .
لذلك كنت على يقين ، كما كل المتابعين للتطورات في الساحة اللبنانية ، أن مجلس النواب بكل كتله واحزابه ومستقليه يعرفون ان النواب غير قادرين على الاتفاق حول مرشح جامع ، وانهم غير قادرين على انتخاب رئيس صناعة لبنانية كما كان يقال ويتردد في وسائل الاعلام وفي الصالونات الحزبية .
ومن هنا دخل منصب رئيس الجمهورية في حالة شغور، ولا يعرف اي من اللبنانيين متى سيتم انتخاب الرئيس الجديد ، بعدما ترك اصحاب القرار صلاحية استيلاد الرئيس لاطراف خارجية اقليمية ودولية ، كما هي العادة في العقود السابقة . واعتقد ان كل الاطراف المعنية اخرجت سمير جعجع من المعادلة ، وبقي الجنرال عون يسابق الوقت من اجل اختطاف اللحظة عبر اتصالاته تاداخلية والخارجية ، الا اذا كان النوايا في الخارج قبل الداخل اختيار رئيس من خارج حلبة الصراع .