صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العقدة التي تتهرب الحكومة منها

هذه عقدة كبيرة، تتهرب الحكومة من الإجابة على ما فيها من تساؤلات، مثلما هي غير قادرة على فكها، ووضع خطة لحلها بشكل جذري. هذه هي الحقيقة.

لا يمكن إلا أن نعود مجددا، إلى قصص تمت كتابتها، على الرغم من أن العودة هنا، مذمومة من حيث المبدأ، لأنها تثبت أنك تغني في واد، والحكومة في واد آخر.
المعلومات التي يتم الإعلان عنها في ملف المياه، كفيلة لو كنا في دولة ثانية بعقد مجلس طوارئ على مستوى عال، من أجل التعامل معها، لكننا نقول هنا علنا أن حلول الأرض انتهت، ولم تبق إلا حلول السماء، هذا في الوقت الذي كانت فيه المؤشرات قديمة، حول هذا الملف، إلا أن كل شيء متروك للتساهيل في هذه البلاد.
حين يتم الإعلان عن جفاف ستة سدود، وبعضها جف أصلا قبل سنوات، ثم تدفق إليه الماء، ثم عاد وجف مؤخرأ، وهي سدود مهمة جدا للمزارعين وللشرب، وبعضها أكثر أهمية مثل سد الملك طلال الذي تنخفض فيه المياه إلى حد كبير، برغم التدفقات إليه، بما يهدد تدفقاته للزراعة نهاية الشهر الجاري، ولا تثير كل هذه الإعلانات، رد فعل على مستوى عال، فإن عليك أن تضع يدك على قلبك.
لا توجد أموال، ولا توجد قدرة لتنفيذ مشاريع مياه استراتيجية كبرى، ولا يوجد تمويل لمشروع الناقل الوطني، أي تحلية مياه العقبة، وكل الحلول صعبة، بما في ذلك الوصول للمياه الجوفية المستنزفة، والقليلة أيضا، وتعاني من الملوحة في بعض المناطق، وهذا هو واقع الحال الذي نعيشه في بلد، من أفقر دول العالم مائيا.
الحكومة لم تجد سوى صلاة الاستسقاء لمواجهة الموقف، على الرغم من أنها شرعية بطبيعة الحال، والشمس اشتدت حرارتها بعد صلاة الاستسقاء، ولا منخفضات جوية في الأفق، إلى ما بعد منتصف الشهر الجاري، والله أعلم طبعا، لكن الحل المتاح حاليا هو أن يأتي الموسم المطري مختلفا، وكريما بأمر الله، وبدون ذلك سنكون قد دخلنا مرحلة لا يعلم بها إلا الله، جفاف، وندرة المياه، وصولا إلى مشاكل في الشرب والزراعة وأسعار المنتوجات الزراعية، بحيث يكون صيف 2022 أصعب بكثير.
هذا البلد نجح بسبب المشاريع الاستراتيجية الكبرى قبل وقتها، وفوق حاجتنا الاعتيادية في بعض التواقيت، من الجامعات إلى المستشفيات، وصولا إلى الخدمات وغير ذلك، لكن الحاصل اليوم، أن كل البنى التحتية تراجعت، كما أن المشاريع الإستراتيجية غير قائمة، وحتى لو تقرر إقامتها، فلا تمويل متوفر، إلا عبر الشراكة بما تعنيه من كلف إضافية، أو عبر القروض بما تعنيه من أحمال على الموازنة.
ما هي الحلول في هذه الحالة، والإجابة على هذا السؤال صعبة جدا، لأن كل الحلول، بحاجة إلى تمويل مالي، والأدهى والأمر أنه تم ترك الأزمات لتكبر حتى وصلنا إلى هذه الحالة، فلا نجد حلا في أزمة المياه، إلا الشراء من الاحتلال، الذي يرسل لنا مياه فلسطين والأردن، مجددا، ويبيع بضاعتنا علينا، وهذه بحد ذاتها مفارقة كبيرة.
لو سألت كل رؤساء الحكومات في الأردن، وكل الوزراء، عما يفعلونه أمام هذه الأزمات، مثل أزمة المياه، لهربوا نحو مديونية الدولة، ومصاعب التمويل، لكن لا أحد يحدثك عن المسؤولية، ومن يتحمل كلفة التأخير حتى دخلنا التوقيت الأصعب، أي الجفاف، وندرة المياه بهذه الطريقة، وهي ندرة تأتي في عز الكلام عن تشجيع الاستثمار، واستقطاب السياح، وغير ذلك، من عناوين وشعارات وبرامج.
فرق كبير بين اتهام المنخفضات بكونها بخيلة أو شحيحة بالمطر، ولا تجود علينا، وبين الاعتراف بالفشل في إدارة ملفات إستراتيجية مثل المياه، الزراعة، التعليم، وغير ذلك من ملفات، وإذا كان الكلام السلبي يوجع البعض، ولا يريد أن يسمعه، فليتفضل علينا ويرينا الجانب المشرق، حتى نستغفر الله، ونعود عن خطايانا حين نصارحهم بالقول إنهم أهملوا شؤون البلاد والعباد، دون وجه حق.
هذه عقدة كبيرة، تتهرب الحكومة من الإجابة على ما فيها من تساؤلات، مثلما هي غير قادرة على فكها، ووضع خطة لحلها بشكل جذري. هذه هي الحقيقة.

التعليقات مغلقة.