صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ساعدونا نحن وحدنا

0

كانت هذه هي صرخة امرأة سورية في سفينة بلا ربان عائمة بالقرب من شواطئ إيطاليا تحمل ٤٨٠ مهاجرا من سوريا بينهم اكثر من ١٧٠ طفلا فيهم رُضّع . بالطبع لم تقصد هذه السيدة ان تقتدي (بامرأة عمورية) التي استصرخت “وامعتصماه” كما في الراوية التاريخية التي تحكي بان الخليفة المعتصم جرد الجيوش لإنقاذها . فالعالم العربي الحاضر حال حكامه ، إذن من طين وأذن من عجين . ( المعتصماه ) الذين لبوا استغاثة المرأة السورية هذه المرة هم طواقم الإنقاذ الإيطالية التي سارعت بإنزال ٦ ملاحين الى ظهر السفينة عز الدين ( سفينة ماشية صدئة قديمة ) ليحبطوا بذلك مخطط الطاقم الأصلي الذي وجهها ذاتيا لتصطدم بالشاطئ.

هذه القصة حدثت يوم الجمعة ، وبعد يومين من إنقاذ سفينة اخرى تُركت بنفس الأسلوب من قبل طاقمها وعليها ٨٠٠ مهاجر هاربين من ( بلاد العرب اوطاني !) لتكشف حجم تجارة الموت ، التي اصبحت رائجة عند مهربين لا دين ولا ضمير ولا أخلاق لهم ، أمتهنوا التجارة بأرواح السوريين وغيرهم من الفارين من جحيم الحروب ، وقد يكون محركهم لارتكاب هذه الجرائم شعورهم ( برُخص ) حياة هذا الشعب الذي يتعرض للإبادة بالبراميل المتفجرة وحفلات جز الرؤوس بالسكاكين.

يا للعار ! على هذه الأمة وعلى جامعة عربية تحولت الى دكان للموتى ( حانوتي ) تتفرج على استباحة أرواح أطفالها ونسائها ورجالها فتتركهم غذاء لاسماك البحر ، ومن المضحكات المبكيات انها مواقف تذكرنا بشعارات حرب حزيران ١٩٦٧ المشؤومة عندما نادت إذاعة صوت العرب المصرية الكائنات البحرية في المتوسط بعبارة ” تجوع يا سمك ” بانتظار ان تُلقي الجيوش العربية الإسرائيليين في البحر ، اسماك البحر انذاك خُدعت فلم تر شيئا من وعود الإذاعة المذكورة ، لكنها اليوم تتجوع بحق وحقيقة بانتظار موجات أجساد المهاجرين الذين لا يجدون أمناً ولا آماناً في وطن عربي يمتد من المحيط الى الخليج ، رجال ونساء وأطفال لا يقدمون على إلقاء أنفسهم وعائلاتهم في هذه المخاطر البحرية ، لو انهم وجدوا (بان الدم لم يصبح ماء ) في بلاد العرب ، ولو انهم شعروا بانهم بين إخوتهم واشقائهم يخففون عنهم محنتهم لما حملوا أطفالهم الرضع على بواخر مواشي ( سكراب ) عمرها اكثر من نصف قرن ، وآخال ان اسماك البحر حزينة على مصير الانسان العربي.

ومن سفن اللجوء السورية التي بلا ربان ، المتجهة بركابها الى الموت مع الحطام المخطط له على صخور شواطئ إيطاليا نرتحل الى احوال الجانب السياسي من النكبة السورية على الأجندة العربية والدولية ، فلا نجد إلا لجوءا من نوع آخر ، تُقدم عليه قيادة الائتلاف الوطني وهي تبحر نحو شواطئ الكرملين ، اصدقاء حاكم دمشق ، انهم يبحثون عن إنقاذ على الضفة الاخرى بعد ان انفرط عقد “اصدقاء سوريا “على لا شئ ، هجرة اخرى محفوفة بالكوارث ، على سفينة روسية قد يقفز منها ربانها عند تحقيق مآربه وهذه المرة قد لا يسمع احد نداء ركابها وهم يستغيثون ” ساعدونا نحن وحدنا “.

اخيراً، الشكر والعرفان لرجال ونساء الإنقاذ الإيطاليين الذين يشرفهم انتماؤهم الى بلد ديموقراطي حر إنساني في تعامله مع شعبه ومع الشعوب الاخرى ، هذا مع شعورنا المتزايد بالعار ونحن نرى أمة تأكل بعضها وتستبيح دمائها ومدنها وتاريخها ودينها ، نشعر بالعار ونحن نرى تنظيمات تختطف نساء إيطاليات كرهائن بينما الواجب الأخلاقي والإنساني والديني يقضي بان ترفع الأيدي تحية لإيطاليا ولطواقم الإنقاذ فيها ، لانها تنقذ كل يوم مئات الأطفال والنساء والرجال الهاربين من جحيم الارهاب والاستبداد والنكران.
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.