صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العدوان الروسي على أوكرانيا … خطوات الرد

0

في ما يخص العدوان الروسي على أوكرانيا، يمكن القول إن الكثير يتوقف على الخطوة التالية التي سيتخذها بوتين. غير أن ما سيقوم به الرئيس الروسي لا يعتمد فقط على حساباته للرد الذي من المحتمل أن يقوم به «الناتو» (وخاصة الولايات المتحدة)، ولكن أيضاً على تقديره لمدى الشراسة التي سيرد بها الشعب الأوكراني على أي تصعيد إضافي من جانب روسيا. وحتى نكمل الدائرة، فإن الرد الأوكراني بدوره سيتأثر برد فعل المواطنين على أي تكرار للعدوان الذي شنه بوتين على شبه جزيرة القرم، وبما إنه كانت البلاد تعتقد أن الولايات المتحدة والناتو يدعمانها حقاً.

والواقع أن تكتيكات بوتين في الاستيلاء على شبه جزيرة القرم تقدم بعض المؤشرات على ما يخطط له. فهو كان يعرف مقدماً أن غزوه المموه سيقابل بدعم شعبي من قبل الأغلبية الروسية في القرم؛ ولكنه لم يكن متأكداً من الكيفية التي سترد بها الوحدات العسكرية الأوكرانية الخفيفة والمحدودة المرابطة هناك، فقرر الدخول متخفياً. على أنه في حال قوبل بمقاومة أوكرانية شرسة، يستطيع التخلي عن العملية والانسحاب.

بيد أن نجاحه الأول قد يغريه ويشجعه على تكرار ذلك السيناريو بشكل مباشر أكثر في الأقاليم الواقعة في أقصى شرق أوكرانيا.
وإذا نجح في ذلك، فإن المرحلة الثالثة الحاسمة يمكن أن تكون موجهة لإسقاط الحكومة في كييف، وذلك من خلال خليط من الاضطرابات السياسية والاستعمال الصريح على نحو متزايد للقوات الروسية. وبذلك، تكون النتيجة مماثلة لمرحلتي استيلاء هتلر على سودتنلاند (وهي منطقة تاريخية من شمال جمهورية التشيك كان يقطنها ألمان إثنيون) بعد ميونخ في عام 1938 والاحتلال النهائي لبراغ وتشيكوسلوفاكيا في مطلع عام 1939.

وعليه، فإن الكثير يعتمد على مدى الوضوح الذي سيبلِّغ به الغرب الديكتاتورَ الموجود في الكريملن – الذي يمثل محاكاة كوميدية لموسيليني وتذكيراً أخطر بهتلر – بأن الناتو لا يمكنه ألا يحرك ساكناً في حال اندلاع حرب في أوروبا، وذلك لأنه إذا سُحقت أوكرانيا بينما الغرب يتفرج، فإن الحرية والأمن الجديدين في رومانيا وبولندا وجمهوريات البلطيق الثلاث المجاورة سيصبحان في خطر أيضاً.

هذا لا يعني أن على الغرب، أو الولايات المتحدة، أن يهدد روسيا بالحرب. غير أنه في الحالة الأولى، تعني الأعمال الأحادية والتهديدية التي قامت بها روسيا أنه يتعين على الغرب أن يسارع إلى الاعتراف بالحكومة الأوكرانية الحالية باعتبارها حكومة شرعية، وذلك لأن حالة عدم اليقين بخصوص وضعها القانوني يمكن أن تغري بوتين وتدفعه إلى تكرار ما قام به في القرم. وثانياً، يتعين على الغرب أن يوضح – بشكل غير علني تفادياً لإذلال روسيا – أن الجيش الأوكراني يستطيع الاعتماد على المساعدة الغربية الفورية والمباشرة من أجل تعزيز قدراته الدفاعية. ذلك أنه ينبغي أن لا يكون ثمة أي شك في ذهن بوتين بأن من شأن أي هجوم على أوكرانيا أن يؤدي إلى تدخل طويل ومكلف، كما ينبغي ألا يخاف الأوكرانيون من أن يُتركوا لوحدهم في مواجهة روسيا.

وفي هذه الأثناء، وانسجاماً مع مخططاته للطوارئ، ينبغي وضع قوات الناتو في حالة تأهب. وفي هذا الإطار، فإن من شأن درجة عالية من الجاهزية لإقامة جسر جوي من أميركا إلى أوروبا بغرض نقل وحدات عسكرية أميركية أن يكون ذا معنى سياسياً وعسكرياً. ذلك أنه إذا كان الغرب يرغب في تفادي حرب، فينبغي ألا يكون ثمة غموض في الكريملن بخصوص ما قد يتسبب فيه مزيد من الاستعمال المتهور للقوة في وسط أوروبا.

وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تكون هذه الجهود الرامية لتجنب حسابات خاطئة قد تؤدي إلى حرب مقرونةً بإعادة تأكيد الغرب على رغبته في التوصل لتسوية سلمية مع روسيا بخصوص جهد مشترك لمساعدة أوكرانيا على التعافي اقتصادياً والاستقرار سياسياً. وفي هذا الصدد، يتعين على الغرب أن يطمئن روسيا بأنه لا يسعى إلى إدخال أوكرانيا إلى الناتو أو استعمالها ضد روسيا. ذلك أن الأوكرانيين أنفسهم يستطيعون تحديد درجة القرب التي يريدونها من أوروبا وحجم تعاونهم الاقتصادي مع روسيا، بما يخدم السلام والاستقرار في أوروبا. كما أنهم يستطيعون مراجعة بعض الاتفاقات من أجل وضع خاص في القرم بعد انتخابات مايو المقبل، غير أنه ينبغي ألا يقوموا بذلك تحت تهديد أو هجوم من جار تحدوه طموحات امبريالية أو شخصية.

زبيجنيو بريجنسكي

مستشار الأمن القومي الأميركي من 1977 إلى 1981

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»الاتحاد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.