صحيفة الكترونية اردنية شاملة

منطقة اليورو أكبر خطر يهدد الاستقرار العالمي

0

خلال عامي 2006 و2007 حذر معلقون (منهم كاتب هذا المقال) من الارتفاع في أسعار الأسهم، والقروض العقارية، والأشكال الأخرى من القروض الخطرة في عدد من البلدان المتقدمة. الآن تعود أسعار المساكن إلى الارتفاع، مؤشرات الأسهم حطمت أرقاماً قياسية، وعادت المشتقات ذات الأسماء الغريبة غير المألوفة، وعادت معها الأدوات المفضلة التي نسيناها منذ زمن بعيد، مثل القروض ذات الشروط المخففة لضعاف الملاءة. فهل ينبغي أن نشعر بالقلق؟

ليس بالضرورة، فالأمر مختلف فعلاً هذه المرة. ولا أعني بذلك أن العالم دخل في طور جديد يسمح لنا باستخدام الحجج التي لا قيمة لها، مثل التغير في التوزيع السكاني، للدفاع عن أسعار الأصول العالية التي تواصل الارتفاع. فكرتي مختلفة: إذا انفجرت بعض الفقاعات، وهي نتيجة محتومة لا مفر منها، فلن تكون لها في رأيي آثار مدمرة مشابهة لما حدث في المرة الأخيرة.

بداية أقول إن ما يهم في الاستقرار الاقتصادي ليس مستوى أسعار الأصول، وتراجعها فيما بعد، وإنما المهم هو الرفع المالي والعدوى. بحلول عام 2007 كان عدد من البلدان المتقدمة قد وصل إلى المرحلة الثالثة من فرضية هايمان مينسكي لعدم الاستقرار المالي. هذا هو التعبير الذي استخدمه هذا الاقتصادي المشهور لوصف التمويل على طريقة بونزي – أي تعاملات مالية تتضخم مثل كرة الثلج وتنتهي حُكْماً بصورة سيئة. وقد أدى انفجار الفقاعة إلى إشعال فتيل انهيارات المصارف، وكانت له بالتالي آثار معدية في مختلف جوانب النظام المالي. وبطبيعة الحال كانت سوق القروض العقارية لضعاف الملاءة في الولايات المتحدة هي أقصى الحالات المتطرفة في المرحلة الأخيرة من التمويل على طريقة بونزي، التي أشعلت في النهاية فتيل ما يشبه الانهيار الكامل للنظام المالي العالمي.

وفي بريطانيا كان بنك نورثرن روك يعطي القروض العقارية على نحو كانت فيه نسبة “القروض إلى القيمة” تزيد كثيراً على 100 في المائة من سعر الشراء. عادت هذه النسبة إلى الارتفاع من جديد، لكنها لم تصل بعد إلى مستويات خطرة ولو من بعيد. وما تقوم به البنوك المركزية من مراقبة لهذه التعاملات هو الأمر السليم. ومع كل هذه التغيرات التي وقعت في الإشراف والتنظيم على البنوك العالمية، من الصعب أن نتخيل أننا سنشهد مرة أخرى عودة ولو من بعيد إلى انهيار كالذي شهدته سوق القروض العقارية لضعاف الملاءة في الولايات المتحدة. صحيح أن الارتفاع في أسعار العقارات في بريطانيا مدفوع بالقروض، لكن من الصعب أن أرى كيف أن أسعار المساكن في بريطانيا يمكن أن ترتفع بصورة مستدامة لتصل إلى مستويات عليا بالمعدلات الحقيقية تزيد كثيراً على المستويات الحالية. وحتى لو عدنا إلى مستوى تصل فيه نسبة “القروض إلى القيمة” إلى 95 في المائة، فإن هذا بحد ذاته لا يبعث على الخوف. فقد شهدت بريطانيا حالات مماثلة من قبل.

السبب الثاني الذي يجعلني أميل إلى التفاؤل هو أن هناك إجماعاً أكبر بين مسوؤلي البنوك المركزية لمصلحة استخدام الأدوات الحصيفة في الاقتصاد الكلي. وفي عدد من البلدان ربما نكون الآن في أواخر المرحلة الأولى، أو أوائل المرحلة الثانية من دورة مينكسي لعدم الاستقرار المالي – أي في منطقة ما بين ما يطلق عليه “تمويل التحوط” و”تمويل المضاربات”. وهناك علامات على الدخول في مخاطر غير عادية. والأدوات المفضلة الآن لضبط فقاعة الإسكان، مثلا، هي وضع حد أعلى على نسبة “القروض إلى القيمة” وضرائب التعاملات العقارية. ولأن النوع الخطر من فقاعة الإسكان مدفوع بالقروض العقارية، فإن وضع حد أعلى على النسبة سيكون فعالاً بصورة خاصة.

أخيراً، التحسن في دورة الأعمال في الولايات المتحدة وبريطانيا يقلص إلى حد ما من الصراع بين الاستقرار الاقتصادي والاستقرار المالي. وكان من الضروري بالنسبة للبنوك المركزية أن تُبقي أسعار الفائدة الرسمية متدنية حتى تحول دون الانكماش وتثبت استقرار التوظيف. وإذا استمرت أسعار الفائدة الاسمية المتدنية لفترات طويلة، فإننا نعلم أنه يغلب عليها أن تشجع المضاربات المالية. وفي الوقت الذي تتحسن فيه دورة الأعمال في البلدان المتقدمة، ستبدأ أسعار الفائدة في الارتفاع. وعندها ستكون هناك حوافز أقل للاقتراض القائم على المضاربة.

وأنا مدرك أن الأداة القائمة على أسعار الفائدة فقط لا تتمتع بأي مقدرة حقيقية على ضبط الاستقرار الاقتصادي والمالي في وقت واحد. وحتى لو رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في أوقات مبكرة من العقد الماضي، فمن الممكن ـ على خلاف في الرأي ـ أن نقول إنه كان بإمكانها أن تقلص الأضرار الجانبية نوعاً ما. لكن إذا جمعتَ بين الارتفاع في تكاليف القروض وبين السياسة الحصيفة في الاقتصاد الكلي، فسيكون لديك كل ما تحتاج إليه للسيطرة على فقاعة الإسكان.

بالتالي، احتمال عودة الأمور التي وقعت في العقد الماضي ضئيل نسبياً، لكن يجب أن نتوخى الحذر. فالتاريخ هو دراسة الأحداث التي تكرر نفسها. وهناك أنواع مختلفة من الاستقرار المالي يمكن أن تنشأ في العقد الحالي. انتبه مثلا، لعدم الاستقرار الناشئ عن التدفقات المالية العالمية، بما فيها حركة الأموال خلال الاقتراض بين العملات ذات الأسعار المتباينة فيما بينها.

ويظل أكبر خطر يهدد الاستقرار المالي العالمي هو منطقة اليورو. الهدوء الحالي خادع. ويعلم قرائي أني أعتقد أن منطقة اليورو متجهة نحو لحظة الحقيقة في مرحلة معينة خلال السنوات القليلة المقبلة، وهي لحظة ليست مستعدة لها. ومن المستحيل أن نتنبأ بموعد هذه اللحظة، لكن ما نعلمه فعلاً هو أنه في كل مرة تهدأ فيها الأزمة يصاب زعماء الاتحاد الأوروبي بالتهاون، وأحدث مثال على ذلك هو الاتحاد المصرفي الذي وضع على عجل وسلق سلقاً. وإذا كنتَ على الطرف المتفائل من النظرة الواقعية، فربما تعتقد أن مؤتمراً للديون سيتفاوض للتوصل إلى سبيل لإدارة إعسار منظم. لكن تجربتنا مع التسويات القائمة على المفاوضات في منطقة اليورو هي أن المفاوضات لا تؤدي أبداً إلى حل تام. في حين أن هناك عدة سيناريوهات معقولة، إلا أن من الصعب أن نتصور واحداً منها لا يؤدي إلى إنتاج مزيد من المخاطر القوية على الاستقرار المالي.

لذلك ينبغي الانتباه لهذه الاختلالات العالمية في الاقتصاد الكلي التي أرى أنها التهديد الرئيسي، إلى جانب سوء الإدارة في الاختلالات في الاقتصاد الجزئي في قطاعات وبلدان معينة. ربما تكون هناك ديناميكية متشابهة تقوم عليها جميع الفقاعات، وكل واحدة منها، مثل عائلة تولستوي التعيسة، تعتبر كارثة بطريقتها الخاصة. لكنها ليست مهمة جميعاً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.