صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من كِنْتْ يا أسْمَر جَنينْ!

0

في مثل هذا اليوم، وقبل خمس وثلاثين سنة، دخلت ما يسمى «القفص» وارتبطت حياتي بشخص آخر، مرة تسمى أم العيال، وأخرى شريكة الحياة، وثالثة وزير الداخلية، ورابعة ماما، وثمة ألقاب أخرى لا أريد أن أتطرق لها في مناسبة كهذه، قد تثير الغضب، وكلها مسميات ترتبط بالحالة المزاجية، ومستوى الأدرنالين الذي تضخه في الدم!

قد تكون مناسبة خاصة بي، أو هكذا يبدو، لكنها أكثر من ذلك، خاصة لدى من «تورط» بالزواج مثلي، ومن هو على أبواب هذا التورط، في ظل الأوضاع التي نعيشها على غير صعيد، ولهذا لا أجد حرجا في «التفكير» بكلمات صالحة للنشر على الملأ، بين يدي ذكرى كهذه..مستذكرا كلمات كنت كتبتها منذ سنوات، ولم تزل صالحة حتى الساعة، بعد إزالة «الغبار» عنها!
في مثل هذا اليوم، أتذكر على الدوام «صندوق العرس» المعنوي، الذي كتب عنه مظفر النواب، وغناه سعدون جابر، وقد استحضرته في مناسبتين مختلفتين، وها أنذا أستعيره مرة أخرى في المناسبة الأكثر دلالة، حين «احتفلنا» في وقت مضى باليوبيل «الذهبي» من رحلة الزواج!
يقول مظفر: مو حزن ـ لكن حزين، مثل ما تنقطع جوا المطر شتلة ياسمين، مو حزن لكن حزين ـ مثل صندوق العرس ـ ينباع خردة عشق ـ لو تمضي السنين، ـ انا قتلك ـ مو حزن لكن حزين، ـ مثل بلبل قعد متأخر ـ لقي البستان كلها بلا أي تين ـ مو حزن لا مو حزن لا مو حزن لكن ـ أحبك من كِنْتْ يا أسمر جنين! نفثات حرى موجعة ، تمس على نحو ما من أمضى عمرا طويلا تحت مظلة مؤسسة الزواج ، و”الشطارة” هنا ألاّ يتحول صندوق العشق -والعشاق أيضا – إلى أنتيكة خردة ، ترتمي في ركن مهمل، بل أن تحتل المكان الذي يليق بها في صدر البيت، ليس للزينة فحسب ، بل كي يغترف منه الشريكان ما يعين على استمرار الحياة ، والعشق أيضا، قالت الزوجة مرة: ألا يسعى البعض اليوم لشراء الأنتيكات، أو ما هو معتق، حتى ولو كانت الأشياء جديدة أصلا، فما بالك إذا كانت معتقة أصلا، أو قل مخمرة في خوابي الزمن؟ لم لا نرممها؟ قلت: فكرة جيدة ، لم لا نفعلها مع صندوق عرسنا؟ انفرجت الأسارير، ووقعنا على شيء جميل نفعله، و..سرحت بنظري إلى ماض بعيد قبل ثلاث وثلاثين سنة: كنت قبل دخول «صندوق العرْس» أنتظر لحظة لقائها كأن بي مسّا، لا أستقر على حال، أستعجل الساعات، أعد تكات الثواني ، ليتني أعرف ماذا حصل، أين يهرب الاحتمال؟ لماذا تنطفىء جمرات الشوق؟ أهو التعود؟ أم اكتشاف كل شيء، فلا يعود مكان للدهشة؟ أم أن شدة القرب حجاب فعلا؟ كيف ينتهي الحديث، وتموت الكلمات قبل أن تولد؟ أين تختفي اللهفة؟ ثم يأتي هذا الإيقاع الرتيب، ليحكم الخناق، ويسد الآفاق؟
خردة عشق؟، اذن لست وحدي، أهي مشكلة قومية؟ بل كونية؟ كيف يحتمل الناس «شقيقات الروح» وحبيبات القلب ، وبقية الأوصاف المبهجة التي يضفيها العشاق على بعضهم في مرحلة الخطبة؟ أين يمضي كل ذلك الاحتفال المهيب، الغناء والرقص، وتلك البذلة السوداء الجميلة ، والفستان الأبيض المضمخ بالعطر والوعود الحمراء والزهرية؟ أين تضيع كل الأمنيات والمباركات الجميلة؟ هل يثبت منها شيء؟ هل يتحقق نصفها أو حتى واحد على مليون منها؟.
كانت تلك مشاعر ماضية، بعد أن كدت أنا شخصيا أتحول إلى خردة، أما الآن، فلي شأن آخر، خمسة وثلاثون عاما، عتقت تجربة إنسانية ثرية، وعشرة عمر لا تنتهي، بل تشتعل حين تشرق عليها كلمات نورانية تغطي الآفاق، «وَمًنْ آيَاتًهً أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مًنْ أَنْفُسًكُمْ أَزْوَاجًا لًتَسْكُنُوا إًلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ، فيُضيء صندوق العرس، وتتحول الخردة إلى جواهر متلألئة ، تعيد ذكريات ليلة -أو ليالي – الزفاف الأولى، وأجدني (رغم العواصف والأنواء والمنحدرات السحيقة التي انزلقنا إليها والتجارب المريرة والمنعطفات الحادة!) أردد دون وعي مع مظفر النواب: أحبك من كِنْتْ يا أسمر جنين!
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.